الربيع العربي .. حصاد المنافقين

2014/02/01 الساعة 10:59 مساءً

قبل العام 2011م  كانت رؤيتنا للدول العربية والأحزاب والهيئات مشوشة استندت على العاطفة أكثر من العقل نتيجة لأن مواقف تلك الدول والاحزاب والهيئات لم تكن واضحة على حقيقتها لأنها لم تكن قد قدمت لاختبار أمام الشعوب , كانت تلك الوجوه القبيحة تتستر خلف أقنعة مزيفة لم يستطع البعض اكتشاف زيفها وقبحها نتيجة للتزييف الذي يقوم به الاعلام التابع لها , فبعضها لبس قناع الاسلام والدفاع عنه وخدع الناس لعشرات السنوات ولبس بعضهم قناع التدين والعودة الى الاصول ودعوة الناس الى العبادة والاخلاق والتسامح والبعض الاخر لبس قناع المقاومة والممانعة والبعض الاخر لبس قناع الدعوة للحرية والديمقراطية وحقوق الانسان ولبس بعضهم قناع القومية العربية والدعوة الى التحرر من التبعية وعدم الرضوخ للهيمنة الغربية .

جاءت ثورة الشباب العربي التي انطلقت شرارتها من تونس مروراً بمصر وليبيا واليمن وصولاً الى سوريا فأسقطت أقنعة الزيف وظهرت الوجوه القبيحة والمشوهة وتمايزت الصفوف وكشر الأعداء عن أنيابهم وأظهروا ما أخفاه إعلامهم  من حقد على الاسلام والمسلمين واكتشف البعض من ابناء الامة أنه وقع ضحية هؤلاء المخادعين لعقود حيث اعتمدوا أسلوب التقية للتدليس على أبناء الأمة وخداعهم  ولكنهم اليوم أكثر وضوحاً من ذي قبل, يشنون حرباً ممنهجة على الاسلام والمسلمين  , ولم يبق أي عذر لأحد يتحدث عن عدم وضوح الرؤية لديه   

كان الربيع العربي بمثابة الزلزال الذي دمر جحور الثعابين والحيات وأسقط تلك الاقنعة المزيفة التي غطت وجوهاً قبيحة لعقود , شعر هؤلاء بأن الشباب العربي يسحب البساط من تحت أقدامهم فكان لابد من ظهورهم على حقيقتهم في معركة فاصلة لابد من خوضها وأصبحت المعركة " حياة أو موت", وجدنا دولاً خدعتنا بأنها تعمل من اجل الاسلام وتطبق الشريعة الاسلامية , تطبع القران الكريم , تبني المساجد المزخرفة , تحتفل بالمناسبات الدينية وتتفاخر بتوسعة الحرم وخدمة الحجيج , لكنها وقفت بكل إمكانياتها المادية والمعنوية والاعلامية في خندق واحد مع اليهود والنصارى والمجوس في دعم انقلاب عسكري دموي ضد رئيس منتخب وقتل الالاف من الشباب المسلمين العزل وحرق جثثهم وحرب على كل ما يمت للإسلام بصله , ولم تعد مواقفهم المعادية للإسلام  والمسلمين مخفية كما كانت سابقاً ولكنهم أظهروها علانيةً دون خجل أو حياء ونسوا قول الله سبحانه وتعالى للمشركين ((أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ? لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ ? وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ))

كشف الربيع العربي عن فئات تظاهرت بحبها للإسلام والتدين , اجتهدت كثيراً في مواطن الخلاف بين الفقهاء وصارت معركتها ليس عودة الاسلام الى حياة المسلمين ولكن ركزت كل جهودها في شكليات ومظاهر لا تغير شيئاً في واقع المسلمين بقدر ما تثير المشاكل والصراعات  بين المسلمين وتضيع اموالهم وأوقاتهم فيما لا يقدم ولا يؤخر شيئاً في حياة المسلمين بل تعكس نظرة سلبية عن الاسلام عند غير المسلمين الذين يرغبون الدخول فيه , ففي الوقت الذي كان فقهاء مصر وقادتها يصنعون الدستور كانت معركة هؤلاء هي إطلاق لحية افراد الشرطة وفي الوقت الذي كان نواب الشعب يصيغون القوانين التي يستطيعون من خلالها بناء أجهزة الدولة كان هؤلاء يرفعون الاذان داخل قاعة البرلمان ويطالبون بهدم الاهرامات لأنها أصنام كما يعتقدون , لكنهم لم يجدوا حرجاً في أن يشاركوا الأقباط والعسكر في الانقلاب على الرئيس المنتخب وإبادة فئة من الشعب , بل لم يجدوا حرجاً وهم يجلسون جنباً الى جنب مع الراقصات والسكارى في كتابة دستور يلغي هوية مصر الإسلامية  نزولاً عند رغبة أقلية قبطية حاقدة على الاسلام والمسلمين , وليس لموقف هؤلاء من تفسير الا قول الامام الشافعي  " لا تَكْرَهُوا الْفِتَنَ ، فَإِنَّ فِيهَا حَصَادَ الْمُنَافِقِينَ "

كشف الربيع العربي ايضاً عن دول ومنظمات لبست قناع مقاومة الاحتلال الصهيوني شعاراً للتغلغل والنفوذ في أوساط المسلمين استغلالاً لمشاعر الكرهـ  تجاه اليهود الذين يحتلون الأرض والمقدسات الاسلامية , كان دم الشباب العربي يثور حماسةً حينما يظهر أحد المعممين يزبد ويرعد ويتوعد , نقف كالأصنام أمام شاشات التلفاز نسمع عبارات المقاومة والممانعة التي تهز كياننا " سنزيل اسرائيل من الخريطة" سنطرد اليهود من أرضنا " سنحرر القدس " لكننا كنا نسمع جعجعةً ولم نر طحيناً لأن أسلحتهم لم تطلق رصاصة واحدة تجاه الصهاينة , لكن أحداث الربيع العربي أسقطت ذلك القناع وأظهرت بشاعة تلك الوجوه الناعمة و الالسن السامة , حينما وجه هؤلاء المقاومون أسلحتهم الى رؤوس وصدور الشباب العربي الثائر قتلاً وتشريداً وتدميراً , اتضح لنا أن هؤلاء المقاومون لم يكن لهم من هدف سوى السيطرة على المنطقة العربية والانتقام من الاسلام والمسلمين والسعي لعودة امبراطورية فارس المجوسية التي أسقطها المسلمون الأوائل .

كشف لنا الربيع العربي عن أقنعة زائفة تشدقت بالقومية العربية لعقود وخدرت عقولنا بشعارات النضال والوطنية والاستقلال لكنها لا تمانع في أن تسير خلف اللوبي الصهيوني والتعليمات الغربية بل تحول هؤلاء القوميون الى ادوات لتلميع الوجوه البائسة والكالحة , جدنا ليبرالية كاذبة تحدثت عن الديمقراطية والحرية والمساواة وحقوق الانسان بإسهاب حتى اعتقدنا انهم رسل الحرية ولكنهم تحولوا الى عبيداً يتمسحون بأقدام العسكر صباح مساء ويبررون لهم جرائمهم بحق الشعوب ويدبجون لهم الالقاب ولم نعد نسمع منهم عن اي حقوق للإنسان الذي لا ينتمي اليهم , لقد كفروا بالديمقراطية التي تغنوا بها وانقلبوا على الصناديق التي طالما تحدثوا عن قدسيتها وأحقيتها في الحكم بين السياسيين , ونسفوا كل النظريات السياسية التي طالما روجوا لها .

الغريب أن هؤلاء الذين يعملون بكل امكانياتهم من اجل إفشال ثورات الربيع العربي وإجهاض حلم الشباب الثائر, ليسوا متفقين فيما بينهم لا سياسياً ولا فكرياً ولا دينياً , فكيف اجتمع التضاد والتقت التناقضات ؟ كيف التقى الصفويون مع الوهابيين والتكفيريين مع القبوريين والايرانيين مع الاماراتيين وحزب الله مع الامريكيين واليهود مع العلويين والقوميين مع الاصوليين والعلمانيين مع السلفيين والعسكر مع الليبراليين وحكام بلاد الحرمين مع الأقباط  وأرباب اللحى مع الراقصات والشواذ ؟ لقد جمع كل هذه التناقضات هو كرههم للربيع العربي الذي أفرز تياراً سياسياً يسعى لإخراج الاسلام من الاطار الضيق الذي وضعوه فيه لعقود ( دين شعائر وعبادات ) وإعادته الى واقع المسلمين  ديناً شاملاً لكل جوانب الحياة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية , وسيعود العصر الذهبي للمسلمين وستتلاشى كل التسميات التي توحدت اليوم للعمل ضد الاسلام .

لكن ليعلم هؤلاء جميعاً أنهم اليوم بكل ما يملكون من وسائل وأدوات وما ارتكبوه من جرائم وحماقات , لم يعودوا في موقف الهجوم أنما هم في موقف الدفاع عن أنفسهم نتيجة لما أحدثه شباب الربيع العربي من زلزال أفقد تلك الدول والقوى توازنها وشعرت بأنها لن تنجوا منه ولذلك بادروا لمحاولة إفشاله ولكن هيهات , فقد أثبت الشباب العربي والاسلامي وأثبتت الشعوب العربية والاسلامية أن زمن التبعية قد ولى وأن الاستسلام لحكم العسكر لم يعد ممكناً وأن المؤسسات الاعلامية لم يعد باستطاعتها تزييف وعي الشعوب وأن من ذاق طعم الحرية لم يعد ممكناً تجريعه كأس الذل والاستبداد والهيمنة وأن الإسلاميين هم القوة الرئيسية في الوطن العربي والاسلامي , وأنهم أصدق تياراً سياسياً تثق به الشعوب من خلال كل الانتخابات التي حدثت بعد الربيع العربي وأنهم الاقدر والاكفأ على تحمل المسؤولية والأكثر تطبيقاً لما يطلقونها من شعارات وما يؤمنون بها من مبادئ وقيم .