حذارِ من العنصرية

2025/05/19 الساعة 04:31 صباحاً

نحن في أزمة مستمرة، غيمة ستمُرّ، والحذر ثم الحذر أنْ تترك فينا آثارًا غير حميدة، وتتأصل فينا تشوهات.


فمعظم التشوهات والأمراض الاجتماعية تجد فرصتها لتنخر المجتمعات وهي في أضعف حال من التخلف والتمزق.


فالعصبية والعنصرية من صفات أهل الجاهلية التي نهى عنها الإسلام وحاربها، وتنهى عنها كل القوانين والدساتير ومواثيق الأمم وتحاربها، فحذارِ أن تتأصل فينا في ضعفنا وتمزقنا، وهي انعكاس لتشوهات التربية العقيمة، وأحد مظاهر الأمراض الاجتماعية التي تنذر بعواقب وخيمة على تماسك المجتمع ووحدته، يجب النظر إليها بروح المسؤولية اتجاه تعافي المجتمع القادر على الولوج للمستقبل.


حذارِ من تجاهل العصبية وما تنتجه من عنصرية، تجاهل أسبابها ومسبباتها أو التساهل مع متعاطيها، حتى لا تصبح حافزًا لانزلاق المجتمع نحو التناحر فيما بينهم، وبالتالي يصبح مجتمعًا ممزقًا يسهل افتراسه.



إن الفخر بالأحساب، والطعن بالأنساب، والتنابز بالألقاب؛ والعنصرية المناطقية والإقليمية والطبقية للون أو لجنس، كل ذلك رجس من عمل الشيطان.


جاء الإسلام ليعدل بين الناس ويوحدهم، بأن يساوي بينهم، إلغاء الفوارق الطبقية، والقضاء على العنصرية، ولنا عبرة بالصحابة، بدأ الإسلام يشق طريقه بقيم العدالة، حين تساوت الأكتاف حتى قال عبدالرحمن بن عوف: "أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا" (يعني بلالًا).


واليوم وبعد هذه الرحلة الطويلة من النضال من أجل كرامة الإنسان، وكم قدمنا من تضحيات من أجل تلك الكرامة، لم يسقط شهيد إلا من أجل كرامة الأمة، مخطئ من يعتقد أن الشهداء ضحوا من أجل أن تسود فئة على فئة، أو طبقة على طبقة أو منطقة على منطقة، فهذه معتقدات فاسدة، تعشش في عقول رذيلة.


معركتنا اليوم هي معركة وعي، هي امتداد لمعارك الإسلام التي أخرجت الأمة من الظلمات إلى النور، من الجور إلى العدل، من المعتقدات الفاسدة إلى العقيدة الصحيحة، من الرذيلة إلى الأخلاق الحسنة والكريمة، من تناثر الأمم وتناحر المجتمعات والقبائل وتشرذمها، إلى توحيد الصفوف والتراص مع الحق، بالمبادئ السمحة والقيم الإنسانية، في تعميق الروابط الإنسانية بين البشر، ليسمو بعضهم فوق بعض بالتقوى.



أشعر بالغبطة والألم عندما أجد البعض اليوم يجرؤ على تناول منشورات تنبعث منها روائح الكراهية والعنصرية للطبقات والمناطق والطوائف، كأطفال يلهون بكرات من النار تلسع أيديهم وتحرقهم وكل من حولهم، ونار الكراهية والعنصرية تنتشر بين المجتمع كالهشيم لتلتهم كل القيم الحميدة، بل يتفسخ فيها أصحابها، لتجدهم أناسًا غير طبيعيين، يفرزون غثاء، هم مرضى وقد استفحل فيهم المرض، وفي ظل غياب الدولة الضابطة، تمادوا أكثر وأكثر حتى صاروا يشكلون خطرًا على المجتمع والوطن والمستقبل.



لهذا وجب التركيز على توعية المجتمع بخطورة ثقافة الكراهية وممارسة العنصرية، بنشر ثقافة التسامح والتصالح، ثقافة ترتقي بالمجتمعات لمصاف الدول الراقية، وهي المجتمعات الخالية من الأمراض الاجتماعية، النفوس الطاهرة من كل خبث، ثقافة التسامح والتصالح تبدأ من الذات وتنتهي بالآخر، ومن لا يستطيع التسامح مع ذاته لا يستطيع التصالح مع الآخر، والتسامح مع الذات هو تطهيرها من كل ما علق بها من خبث وكره في فترة عصيبة، لتتمكن من الانتقال لوضع أفضل، ليشكل مع الآخر القوة الرافدة للمستقبل الوضاء.



*المقال خاص بالمهرية نت*