تلقتْ شُرطةُ المكسيكِ بلاغا عن اختفاءِ أربعِ بقراتٍ أفريقيّةٍ، وأربع معزاتٍ، وغزالٍ نادر، وحمارٍ وحشي، من حديقةِ الحيوانِ. وبعد تحقيقٍ سريعٍ اكتُشِفَ أنَّ مديرَ الحدِيقةِ هو الذي أخذَهَا وذبحَها، وعزمَ عليها في بيتِه أقَارِبَهُ وأصدقَاءَهُ وزملاءَهُ والمقربين منه. وتذكرتُ مقولةً للرئيسِ المكسيكي في القرن ال19 بورفيريو دياز: "مسكينةٌ هي المكسيكُ! بعيدةٌ عن اللهِ وقريبةٌ من الولاياتِ المتحدةِ". قلتُ بل وطني أشدُ منكِ يا مكسيكُ ذِلَّةً ومَسْكَنةً، فقدِ ابتعدَ عن جذرِهِ العتيدِ، وفرطَ بأصلِه التليدِ، وخَانَ تاريخَهُ المجيدَ. إن كان عندكم مديرٌ خَطَفَ حيواناتٍ، فعندنا حيواناتٌ ناطقةٌ خَطَفُوا المواطنَ وباعوا الوطنَ، نهبوا حقوقَه، وقيدوا حريتَهُ. إن كانت غزالٌكم النادرةُ اختفت. فعندنا حُدُودٌ مُحيَت، وجُزُرٌ استُعمِرَت، وحقولٌ نفطٍ نُهِبَت، وجذورٌ من تربتنا اقتُلِعَت، وحَيَواتٌ من بحارِنا نُقِلَت، وآثارٌ من حضارتنا هُرِّبَت، وهيبتُنا مع هويتِنَا طُمِسَت. عندكم ذُبِحَتِ حيواناتُ فأُكِلَت وعُلِمَ مصيرُها. أما عندنا فإن (دُونكينا) الأهلِي خَطَفَ بشرا وأخفى مَصِيرَهُم عن أهلِهم، وأزهق أرواحا وما بَيَّنَ أسبابَ قتلِهم. عندنا الاعتقالُ تلقائيٌ دونَ أمرٍ نيابي أو قضائي، ويُثَبَّتُ الاتهامُ ويُنَفَّذُ العقابُ بقرارٍ سياسي. عندنا يُعَيَّنُ الأبناءُ والأحفادُ والأصدقاءُ والأقاربُ والتابعون في مراكِزَ عاليةٍ، دبلوماسيةٍ وحكوميةٍ، عسكريةٍ وأمنيةٍ، دون درجةٍ علميةٍ، ولا شهادةٍ تدريبيةٍ، ولا تزكيةِ خِبرَةٍ مَوثُوقَةٍ. يكفي أنَّه تَبَعُ القائدِ فُلان والزعيمِ عَلان. عندنا لم يعدْ أحدٌ في حاجةٍ إلى بحثٍ جنائي ليَعلمَ أنَّ من نحروا الوطنَ وسلخوا الشعبَ، وجعلوهما وليمةً لهم.. هم مِنَّا وفينا، أهلُنا وناسُنا، رعاتُنا وولاةُ أمرِنا، جيشُنا وأمنُنا، أحزابُنا ونوابُنا.. ومَنْ سار على خُطَاهم مِمَّن هَبَّ ودَبَّ. ولسنا في حاجةٍ إلى تحقيقٍ لِنُدْرِكَ أنِّ أكبرَ بَلاءٍ ابتُلِينا به هو قربُ السعوديةِ المُترَفَةِ والإماراتِ المُرجِفَةِ منا.. وأقسى ما نُعَانِيه صُبْحا وعَشِيا.. أنَّنا ما زلنا نُرَدِدُ بحماسةٍ وشَغَفٍ "لن ترى الدنيا على أرضي وصيا"!!.
أبو الحسنين محسن معيض