أساءني وأساء الكثيرون من الشعب المصري العظيم الذي يعتز بإسلامه، وتاريخه وحضارته المتجددة الصالحة لكل زمان ومكان، ما شاهدته بالأمس القريب؛ حيث وجدت أحدهم وهو الروائي حامد عبد الصمد الذي دعي في ندوة ليناقش فيها مفهوم "الفاشية الدينية"، وقد قام هذا المدعو بالإساءة إلى الدين الإسلامي والحكم الإسلامي على مر التاريخ وأنه ليس في الإخوان والسلفيين فقط.
الملفت للنظر تأكيد هذا الرويبضة أن مكة قبل الإسلام كانت أفضل بكثير مما أصبحت عليه بعده، وأنها كانت تؤمن بالتعددية الدينية والفكرية،(بدليل تعذيب المسلمين الأوائل بشتى صنوف العذاب!!!)، وكانت مكة تحوي جميع الأديان والأصنام، إلى أن جاء فتح مكة الذي يعتبره بداية بذرة الفاشية الدينية في العالم، ومن ضمن ما قاله أن الإسلام هو "حركة" كانت مستضعفة فكانوا يقولون: "لكم دينكم ولي دين", وعندما أصبحت قوية استقوت على الشعوب وهدمت الأصنام، وأشار إلى أن كلمة: "أذهبوا فأنتم الطلقاء" التي قالها الرسول عليه الصلاة والسلام لكفار قريش, ليس لها أي أساس لأنه قالها لهم بشروطه- على حد قوله- وختم عبد الصمد كلامه بأنه لا يريد الاحتكام للإسلام في العصر الحديث سواء في الدين أو السياسة أو التشريع، لأنه دين نشأ في القرن السابع, وقال: "أنا مصمم أن بذرة الفاشية موجودة في الإسلام والحكم الإسلامي وأن هذا ما أدى إلى ظهور ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب والسلفيين والإخوان".
هذا الدعي الذي احتفت به صحيفة عادل حمودة، الذي يعتبر (الإسلام وحده هو أفيون الشعوب) بينما يعتبر أصحاب الأديان الأخرى ملائكة تعيش بيننا في عالم الملكوت، لم يستح هذا الدعي من نفسه الذي ذهب للعمل في الغردقة فباع نفسه لسيدة ألمانية في عمر أمه، وكان عمره آنذاك 23 عامًا وتزوج من تلك السيدة، ولم تكن تلك الزيجة عن حب كما يقول؛ حيث كان يطمح للحصول على جواز السفر الألماني.. ساهمت في سفره إلى بلدتها ألمانيا قبل أكثر من 15عامًا، فرضخ لأفكارها ومعتقداتها واستطاعت أن تهزمه كي يعيش بينهم،(مفيش حاجة ببلاش)، وقدم لهم عربون الصداقة الممتدة والأبدية فألف لهم، أو ألف له كتاب Untergang der islamischen Welt" "سقوط العالم الإسلامي"، الذي توقع فيه اندحار وانهيار العالم الإسلامي، ومن الطريف أن هذا الكتاب قد صدر قبل وقت قليل نسبيًّا على بروز ما يعرف بالربيع العربي وقيام الشعوب العربية الإسلامية في بلدان عديدة بثورات ضد حكامها وقيامها بثورات تغيير سلمية لم يشهد العالم مثيلاً لها من قبل، وهو ما يدحض ما تنبأ به عبد الصمد في كتابه من أن العالم الإسلامي (العربي منه وغير العربي) الذي قال عنه "لن تقوم له قائمة وأنه في طريقه إلى الانهيار."
ويفتخر هذا الرويبضة بقوله: "كان منظر لحم الخنزير في مطعم الجامعة يثيرني، وكنت أحيانًا أحذر شباب المسلمين من الخمر والزنى بينما كنت آتي كليهما في نفس اليوم"، وقال أيضًا: "القرآن كان كتابًا رائعًا للقرن السابع، أما في القرن الواحد والعشرين فليس له مكان"، ويقول عبد الصمد حول مسألة ربط العنف بالدين والحل لهذا الأمر: "لقد ارتبط العنف بالحضارة (...) نحتاج إلى ملحدين للتشكيك بطريقة إلحادية في كل شيء في هذا الدين بدون محظورات"، والجدير بالذكر أنه قد اشترك مع الكاتب الإسرائيلي المعادي المسلمين "هنريك برودر" في برنامج تليفيزيوني من عدة حلقات، طافا خلاله معظم ألمانيا بالسيارة. قام عبد الصمد وبرودر في تلك الجولة بزيارة النصب التذكاري لضحايا النازية وقاما بمحاولة زيارة مسجد DITIB في مدينة دويسبورج، أحد أكبر مساجد ألمانيا، إلا أن المسجد رفض استقبالهما وطالبهما بمغادرة حرم المسجد، وذلك نظرًا لمواقفهما المعادية للإسلام والمسلمين.
هؤلاء الذين طفوا على السطح بعد أن كانوا يطمئنون للنظام البائد الذي حارب الإسلام والإسلاميين والدعاة على مدار أكثر من ستة عقود، بعد أن ورث الاستعمار الذي عربد على أرض أكثر من سبعة عقود أخرى، كانوا هؤلاء يطمئنون إلى الطواغيت لأنهم يلبون ما يرنون إليه من إلحاد وتدمير للإسلام، وقد بهتوا لاختيار الشعب للتيار الإسلامي، فجاءوا من كل حدب وصوب، يحملون أجولة وحقائب ضخمة مملوءة بملايين الدولارات خصصت للقضاء على التيار الإسلامي وإفساده، ووجدوا أيضًا في وسائل الإعلام التي يمتلكها رجال أعمال يقيمون شبكات من العلاقات مع المنظمات المشبوهة الماسونية، والروتاري ومنهم أقباط متعصبون، طائفيون، متمردون، بالإضافة إلى بعض رجال الفكر والثقافة والإعلام الذين يسهل شراؤهم، ولنا أن نسأل رجال الأزهر الأجلاء الذي انتفض بعضهم للدفاع عن عرض السيدة العفيفة الشريفة، سليلة المجد، إلهام شاهين، التي وصفت الشعب بأنه يسهل شراؤه بالزيت والسكر، كما هاجمت رئيس الجمهورية الشرعي الذي جاء بإرادة شعبية، بل لم نستغرب من أحد أساتذة الشريعة الإسلامية الذي قال لها إنها نزلت فيها قول الله "علمه البيان"، وله أن يكمل جميله، ويتحفنا بمؤلف جيد له بعنوان (حاشية النجار على أسباب النزول) يستدرك فيه ما فات الإمام الواحدي، والسيوطي، وأئمة التفسير الآخرين.
كثر الخطب اليوم من أناس استغلوا تكاسل أهل الحق عن الصدع بقول الحق، فعاثوا في الأرض فسادًا، يبثون ما يترآى لهم من أفكار مريضة وسقيمة، فمثلا نجد من قال في الماضي وهو كاتب سناريست كبير، تعود أن يزور التاريخ المعاصر في أعماله، مثل مسلسل "ليالي الحلمية"، أن "عمرو بن العاص فاتح مصر أحقر شخصية في التاريخ" ليجامل فصيلاً يمتلك رجاله المال والجوائز وقنوات الفضائية والصحف التي تلمع الفاشلين والمرتزقة، ووجدنا أيضًا من يعمل موظفًا بهيئة قصور الثقافة ويرأس تحرير سلسلة "ذاكرة الكتابة" يروج لأفكار كنسية متطرفة بـأن دخول العرب إلى "مصر" كان غزوًا واحتلالا؛ حيث قاموا بنهب أموال وعرق وفكر وتعب المصريين ونقلوها إلى مراكز الخلافة في "مكة" و"القسطنطينية" و"دمشق"، وأوضح أن المصريين هويتهم "مصرية" قبل أن تكون "عربية"، وقد قام بتحقيق كتاب القس المتعصب ساويريس بن المقفع "تاريخ مصر من خلال مخطوطة تاريخ البطاركة لساويرس بن المقفع"، ترجم في مقدمته لابن المقفع واعتبره من المصريين الأصلاء، الذين درسوا علوم المسلمين الوافدين المحتلين، كما زعم أن اللغة العربية وافدة، وعاب عليه كتابة المؤلف بلغة المحتلين الوافدين، علمًا بأن الكتاب مكتوب بلغة عربية ركيكة لا ترقى للأسلوب العلمي، ولكن بعض القوم لا يجدون ضآلتهم إلا في النبش في القاذورات.
وقد نشر أحدهم في "جريدة القاهرة" التي تنفق عليها الدولة من ميزانية الشعب المصري ذي الأغلبية المسلمة، قال بعد أن انتقد صنيع وكيل نيابة مطاي بالمنيا الذي جلد أحد المواطنين 80 جلدة بتهمة شرب الخمر. وذكر أنّ ذلك بالتطبيق لنص المادتيْن 2، 219 من الدستور الجديد- على حد تهكمه- وبعد أن سخر من حد السرقة: "أما قطع اليد فمعناه تحويل المجتمع إلى متسولين، إذْ أنّ اليد هي أداة العمل (حتى الذهني) فما بالنا بالعمل اليدوي، فإذا أراد الجاني التوبة فكيف يعمل بعد قطع يده؟" إلى أن قال: "إنّ مصر لم تعرف العقوبات البدنية طوال تاريخها الممتد لآلاف السنين، حتى الغزاة العرب الذين احتلوا مصر بحجة نشر الإسلام لم يُطبّقوا الحدود الواردة في القرآن. فهل كـُتب على شعبنا الردة إلى الوراء ونحن في الألفية الثالثة؟ وإذا كانت حجة الأصوليين أنّ تطبيق الحدود الإسلامية هدفها ((الردع لمنع ارتكاب الجرائم)) فإنّ الإحصائيات المحلية والدولية تنفي هذا الزعم، والدليل هو ارتكاب المزيد من الجرائم رغم تطبيق العقوبات البدنية. بينما الطريق الآمن لمنع ارتكاب الجريمة هو تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية بواسطة التوزيع العادل للدخل القومي، ويسبقه ترسيخ الإيمان بالحرية الشخصية التي تشمل حق الاعتقاد، والحرية السياسية بمعناها الليبرالي التي يختفي منها تزييف وتزوير الإرادة الإنسانية للناخب بشعارات دينية أو برشاوى مادية أو بتضليل ثقافي مُتعمّد. ومع مراعاة أنّ التشريعات الحديثة تنظر للجاني على أنه مريض نفسيًّا قبل النظر إليه على أنه مجرم، وبالتالي نصح علماء علم الإجرام بتأهيله نفسيًّا داخل السجن، وبتعليمه حرفة ما إنْ كان لم يُتقن أي مهنة. أو الاستفادة من خبراته العملية داخل السجن، ليكون مواطنًا صالحًا بعد قضاء مدة العقوبة."
هؤلاء هم المثقفون الذين يفتخرون اليوم بأنهم القوة الناعمة لمصر، التي يريد الظلاميون (الإسلاميون) التنكيل بهم، هؤلاء الذين يؤصلون للفتنة الطائفية ووضع أسافين بين عنصري الأمة، اللذين عاشا في سلام طوال قرون، تخللتها ما يكون بين الأخوة من نزاعات من وقت لآخر، يجب أن يعي الكل لمثل هذه المكائد التي تروج للآسف ممن ينصبون أنفسهم أدباء ومفكرين، معتمدين على وجود عناصر مشبوهة ومتطرفة تريد اللعب