الفيدرالية .. إعادة توزيع وليس تقسيم

2014/02/13 الساعة 10:28 مساءً

تعرَف الفيدرالية ببساطة : بأنها نظام توزيع الصلاحيات بين حكومتين أو أكثر تمارسان السلطة على مجموعة الناس نفسها وعلى المنطقة الجغرافية ذاتها كأحد أشكال أنظمة الحكم المتعارف عليها في العالم

وكل دولة تستطيع أن تغير نظام الحكم من شكل الى اخر حسب تغيرات الواقع وحاجات المجتمع لذلك التغيير خاصةً اذا كان النظام القائم لم يعد صالحاً لإدارة البلد مثل أوقات التحولات التاريخية أو كحل لمشكلات استعصت على الحل في اطار النظام القائم أياً كان , حيث يأتي تغيير نظام الحكم كضرورة لإعادة الثقة بين فئات المجتمع من اجل التعايش السلمي والتعاون على البناء  

ويعتبر النظام الفيدرالي أكثر الانظمة التي يلجأ اليها في كثير من دول العالم التي حدث فيها تحولات تاريخية  مثل اندماج عدة مناطق في إطار دولة واحدة كما هو الحال في امريكا أو في حال حدثت ثورات شعبية أسقطت أنظمة شمولية كما هو الحال في البوسنة والهرسك أو سقوط أنظمة دكتاتورية مستبدة أوصلت الناس الى عدم الثقة بالنظام القائم كما حدث في كلاً من إثيوبيا و الارجنتين أو وجود عدة قوميات في إطار دولة واحدة تسعى كل قومية للمحافظة على هويتها ولغتها وثقافتها في اطار الدولة الاتحادية كما هو الحال في الاتحاد الروسي , وفي ظل الفيدرالية تستفرغ الطاقات في التنافس والبناء بدلاً من التنازع والتناحر

ولو عدنا الى القضية اليمنية فإننا نجد أن هناك العديد من المبررات التي تجعل الانتقال الى النظام الفيدرالي خياراً لابد منه للمحافظة على وحدة الشعب اليمني وتماسكه وبناء الدولة اليمنية الحديثة , فقد فشل نظام الحكم المركزي في حل مشكلات اليمن المستعصية ووصل الشعب الى فقدان الثقة بالحكم المركزي بسبب ممارسات النظام الاستبدادي التسلطي وفشل في مجال التنمية وبناء اقتصاد قادر على المنافسة والنهوض أدت الى خروج كل فئات الشعب في ثورة أسقطت  منظومة الاستبداد مما جعل الجميع يجمعون على أن النظام المركزي لم يعد صالحاً فقد أفسده صالح ولابد من إعادة توزيع سلطات الحكم في مستويات تجعل كل فئات الشعب تتحمل المسؤلية في عملية البناء والتنمية في ظل التنافس الايجابي في إطار الحكم الفيدرالي

لكن وجدنا البعض (معظمهم من اتباع الفاسد صالح ) و ( بعضهم لا يعرف معنى الفيدرالية أصلاً ) يتحدثون عن الفيدرالية كمشروع لتقسيم اليمن الى دويلات مستقبلاً ونسي هؤلاء أن اليمن قبل أن تتحول الى 6 أقاليم كانت 22محافظة وما حدث هو اعادة تجميع لهذه المحافظات في إطار وحدات إدارية أكبر تتقاسم الصلاحيات مع الحكومة المركزية بهدف البناء والتنمية , ونجد بعض المتشائمين من الفيدرالية يتحدثون عن ان هذا التوزيع يجعل الثروة في اطار الاقليم المنتج لها ولكنهم لو قرأوا وبحثوا سيجدون ان معظم الفيدراليات في العالم تعط الأقاليم نسبة لا تتجاوز 30% من الثروة القومية كالنفط والغاز والمعادن , والنسبة الكبرى ترفع للميزانية الاتحادية وتوزع على الاقاليم حسب عدد السكان , ونحن في اليمن لا يوجد اقليم الا وفيه الكثير من الثروات التي تحتاج الى تعاون الجميع للاستفادة منها واكبر ثروة قومية هي الثروة البشرية العاملة ,ولا يوجد اي اقليم يعاني شحاً في الموارد انما المشكلة في الارادة القادرة على استثمار تلك الموارد , وتحدث البعض عن حدود وهويات وترحيل كلاً الى اقليمه وهذه مجرد أقاويل وشائعات ليس لها اي صلة بالواقع , فنحن كيمنيين لدينا هوية واحدة ولغة واحدة ودين واحد وثقافة واحدة , ومشكلتنا سياسية فقط  

مشكلة البعض أنه ربما يعتقد أن الفيدرالية كنظام غير معمول بها في أي بلد في العالم , بل ربما يستغرب هؤلاء حينما نقول لهم أن معظم الدول الناجحة والاقتصاديات المتقدمة والصاعدة  حكمها فيدرالي كـ امريكا والهند وماليزيا وسويسرا والمانيا والنمسا وبلجيكا واستراليا والبرازيل , وسيتفاجؤون حينما يكتشفون أن دولة عظمى كـ روسيا لديها أعقد نظام فيدرالي عبارة عن اتحاد يتكون من 89 وحدة إدارية منها :.

- 21 جمهورية لكل واحدة منها ( لغة - ديانة – هوية – ثقافة - رئيس - حكومة - علم )

- 6 أقاليم

- 49 مقاطعة

- 11 منطقة حكم ذاتي

- مدينتان فيدراليتان ( موسكو - سانت بطرسبورغ )

ايها المعترضون لتعلموا أن النظام الفيدرالي هو نظام الحكم الوحيد القادر على اعادة ثقة اليمنيين بالدولة ومما تتحدثون عنه من أخطار ومساوئ ماهي الا اوهام وأراجيف ليس لها اي صلة بالواقع ولتعلموا أن الوحدة اليمنية لم تتعرض للخطر الا بسبب الحكم المركزي الاستبدادي الذي أوصل البلد الى ماهي عليه ولم يكن خيار الفيدرالية الا للمحافظة على ما تبقى من تماسك النسيج الاجتماعي ولن يكون الأسوأ من الفيدرالية الا الحروب  والصراعات  التي لم نعد نستطيع تحمل تبعاتها