استمر التحالف الهش بين الفصائل الشمالية والجنوبية المناهضة للحوثيين في اليمن منذ عام 2019.
وردا على دمج الفصائل الجنوبية، حاولت المملكة العربية السعودية توحيد الفصائل الشمالية تحت رعايتها. ربما كانت هذه الخطوة تجاوزا يمكن أن يفجّر التحالف بالكامل.
توقفت الأعمال العدائية بين المملكة العربية السعودية والمتمردين الحوثيين منذ أبريل 2022، إلا أن الطريق إلى السلام غير واضح.
ومع دخول الانفراجة الهشة بين المملكة العربية السعودية والمتمردين الحوثيين، المدعومين من إيران، شهرها التاسع عشر، يفضي المأزق الدبلوماسي إلى إجراءات عصيبة.
فقد فشلت المحادثات بين الأطراف في شهر أبريل. وبعد شهر، في الجنوب، وقّع فريق من الأطراف الانفصالية، التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، على الميثاق الوطني الجنوبي. وطالبت الأطراف بإيجاد صوت أقوى للجنوب في عملية السلام اليمنية، وأكدوا من جديد التزامهم بإقامة دولة مستقلة هناك.
أحدث الإعلان صدمات في جميع أنحاء اليمن. تذمّر الحوثيون وحزب الإصلاح، التابع لجماعة الإخوان المسلمين، على الفور، كما أن السلطات السعودية وزملاءها الأعضاء في التحالف، الذي تقوده السعودية، المصطفّين بشكل رسمي في جانب واحد من الحرب، مثلهم مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، أعربوا أيضا عن مخاوفهم بشأن تقوية الأطراف الجنوبية.
وتخشى السعودية أن تفقد نفوذها على الأطراف داخل مجلس القيادة الرئاسي، وهو الهيئة التنفيذية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.
كانت الخطوة الأولى، التي اتخذتها المملكة العربية السعودية، بعد إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي هي عقد سلسلة من الاجتماعات في الرياض مع خصوم المجلس الانتقالي الجنوبي، الذين يمثلون حضرموت في شرق البلاد.
وتوجت الاجتماعات بإنشاء المجلس الوطني الحضرمي، في خطوة واضحة لمواجهة الميثاق الوطني الجنوبي للمجلس الانتقالي الجنوبي.
وشكلت أطراف أخرى المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية، حيث يقع مقره وسط البلاد، لأغراض مماثلة.
يعرض بعض المراقبين هذه التطورات على أنها تقدّم بين خصوم الحوثيين مهّدت لفرصة الانفراجة السعودية - الحوثية. غير أنه من الواضح، على أرض الواقع، أن المجلس الجديد هو ردة فعل للزخم المتزايد، الذي يكتسبه المجلس الانتقالي الجنوبي.
يبدو أن الفصائل السياسية اليمنية قلقة بشأن النزعة الانفصالية الجنوبية أكثر من قلقها من التهديد الذي يشكله الحوثيون.
ما الذي قرره المجلس الانتقالي الجنوبي، ولماذا الآن؟
كان رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، قد فاقم التوترات بين الشمال والجنوب، في شهر فبراير، عندما رفض طرح القضية الجنوبية كأولوية. أغضب هذا الجنوبيين ودفع على المجلس الانتقالي الجنوبي إلى التحرك.
ومما لا شك فيه أن هذا سرع من تنظيم مؤتمر حوار عدن، الذي استضافه المجلس الانتقالي الجنوبي، في أوائل مايو. وسارعت الفصائل الجنوبية إلى استغلال متابعة المؤتمر، الذي استمر أسبوعا، من خلال حملات إعلامية جيدة التنسيق.
لقد أتاحوا وصول جمهور عام للمشاركين. اجتمع المتنافسون السياسيون القدامى في عدن، حيث وقع أكثر من 30 فصيلا على الميثاق الوطني الجنوبي، يعمل المجلس الانتقالي الجنوبي الآن كمظلة للجنوبيين. ويعد هذا تطورا مهما بعد الاعتراف به بموجب اتفاق الرياض لعام 2019 كممثل للشعب الجنوبي.
كما أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي عن إعادة هيكلة كبيرة لقيادته التنفيذية. ووسع عضويته من خلال ضم بعض المنافسين السابقين، بمن فيهم عضوا المجلس الرئاسي، فرج سالمين البحسني وعبد الرحمن المحرمي (المكنى أبو زرعة)، كنائبين مشاركين لرئيس المجلس الانتقالي، إلى جانب أحمد سعيد بن بريك. البحسني وبن بريك هما محافظان سابقان لحضرموت، وقائدان سابقان لقيادة المنطقة الثانية هناك. لم تعزز هذه الخطوة الأهمية الإستراتيجية لحضرموت، كأكبر محافظة في اليمن فحسب، بل أدخلت أيضا حلفاء جنوبيين داخل مجلس القيادة الرئاسي بذاته، حيث جرى تمثيل ثلاثة منهم داخل مجلس القيادة الرئاسي المكون من ثمانية أعضاء.
إن انضمام البحسني، وهو حضرمي، وأبو زرعة، الزعيم السلفي من لحج، كنائبين لرئيس المجلس الانتقالي يمكن أن يسلط الضوء على هدفين للمجلس الانتقالي الجنوبي. الأول هو تعزيز نفوذ الجنوب داخل مجلس القيادة الرئاسي، إزاء المملكة العربية السعودية.
ينظر إلى أعضاء مجلس القيادة الرئاسي على أنهم مختارون من قِبل المملكة العربية السعودية، لذلك لا يمكن التشكيك في شرعيتهم ونفوذهم. ثانيا، نواب الرئيس هم قادة عسكريون لهم تاريخ في معارضة نفوذ الإصلاح في الجنوب. وباعتبارهما قائدين سابقين للمنطقة الثانية، التي تتخذ من المكلا مقرا لها في جنوب حضرموت، يمثل بن بريك والبحسني معارضة الجنوبيين لقيادة المنطقة الأولى التابعة للإصلاح، ومقرها في سيئون في شمال حضرموت.
علاوة على ذلك، شغل أبو زرعة منصب قائد ألوية العمالقة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، التي تعمل كرأس حربة للقوات الجنوبية من ساحل البحر الأحمر إلى شبوة.
وفي بيئة تتسم بإعادة التوازن الدائمة، فإن الرسالة أصبحت واضحة تماما!
التجاوز السعودي يعرقل اتفاق الرياض
ومما لا شك فيه أن نجاح الحوار الذي يقوده المجلس الانتقالي الجنوبي بين الفصائل الجنوبية أثار مخاوف من طموحات انفصالية جنوبية.
وتزايدت المخاوف بين الأطراف اليمنية منذ توقيع اتفاق الرياض، الذي أضفى الشرعية على المجلس الانتقالي الجنوبي، في شهر نوفمبر 2019.
والآن، وبعد مرور ما يقرب من أربع سنوات على الاتفاق، وبعد عام ونصف العام على إنشاء مجلس القيادة الرئاسي، فشلت كل الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في المناطق المحررة، وتوحيد خصوم الحوثيين.
اكتسب المجلس الانتقالي الجنوبي زخما كبيرا منذ أن استبدل الرئيس السابق هادي محافظ شبوة، التابع للإصلاح بحليف للمجلس الانتقالي الجنوبي في ديسمبر 2021.
ثم انتقل الصراع بين الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي إلى شمال حضرموت، حيث طالب المجلس الانتقالي الجنوبي بطرد قيادة المنطقة الأولى التابعة للإصلاح.
وقد أثارت هذه التطورات مخاوف في الرياض بشأن مدى نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي خارج مركزه في عدن، الذي ربما يتوطد في شمال حضرموت على طول الحدود اليمنية - السعودية.
سعت المملكة العربية السعودية لترسيخ نفوذها في حضرموت. لا يزال المراقبون في جنوب اليمن قلقين بسبب قرار المملكة العربية السعودية استضافة زعماء قبليين من حضرموت بعد فترة وجيزة من مؤتمر الحوار للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن.
جرى الإعلان عن تجمع للقادة الحضرميين منذ الرحلة الأولى من سيئون إلى الرياض على متن طائرة عسكرية سعودية.
كما بثت وسائل الإعلام اجتماعات في الرياض، وفي 20 يونيو أعلن الجمع عن إنشاء "المجلس الوطني الحضرمي". ثم جرى التوقيع على ميثاق المجلس، الذي تم الإعلان عنه بعد ذلك في 27 يوليو. وكان حزب الإصلاح أول حزب سياسي يعلن توقيعه على الميثاق.
ومما زاد من غضب المجلس الانتقالي الجنوبي، وقاعدته في جنوب اليمن، لقاء أعضاء المجلس الجديد (المجلس الوطني الحضرمي) بمسؤولين سعوديين والرئيس العليمي.
إن تكوين المجلس، الذي يضم عددا من قادة حزب الإصلاح، يظهره كمنافس مباشر للمجلس الانتقالي الجنوبي. ومن بين أعضاء الإصلاح البارزين في المجلس بدر باسلامة، ومحسن باصرة، وعادل باحميد، وعبد الله صالح الكثيري. ومن بين القادة البارزين الآخرين في المجلس أعضاء في المؤتمر الشعبي العام، الحزب الحاكم السابق في عهد الرئيس المعزول علي عبد الله صالح. كما أن الرئيس العليمي هو عضو في المؤتمر الشعبي العام.
تصاعد التوتر أكثر في أوائل يوليو عندما نظم المجلس الانتقالي الجنوبي مظاهرة خارج قصر سيئون، فقابل مسلحون تابعون لأعضاء المجلس الجديد متظاهرين عُزل. وفي شبوة المجاورة، أعلنت مجموعة أخرى من زعماء القبائل تحالف أبناء وقبائل شبوة، في مسعى آخر لمجابهة المجلس الانتقالي الجنوبي.
وكانت الخطوة الأخيرة التي أدت إلى تفاقم التوترات بين الأطراف المتنافسة هي الإعلان عن المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية للجوف ومأرب برئاسة حمود المخلافي، وهو شيخ من تعز.
يقيم الشيخ حمود، التابع للإصلاح، في تركيا، لكنه لا يزال يتمتع بنفوذ كبير في مدينة تعز. وقد واجه هذا المجلس الجديد معارضة حتى داخل مدينة مأرب، معقل الإصلاح. ومن غير المؤكد ما إذا كانت السعودية مطلعة على هذه المجموعة أو تدعمها.
ويجري رسم حدود الفصائل. وبينما تجمع المملكة العربية السعودية حلفاءها المناهضين للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإنها تعرِّض الاتحاد الذي أنشأه اتفاق الرياض للخطر.
- تصعيد وشيك على جبهتين
وفي الوقت نفسه، ما يزال التفاؤل قائما في أوساط مسؤولي الأمم المتحدة الذين ينظرون إلى تبادل الأسرى غير المتكافئ، في أبريل 2023، على أنه خطوة إلى الأمام.
كما توصف الأمم المتحدة استكمال نقل النفط من "صافر"، قبالة البحر الأحمر في الحديدة، بأنه انتصار دبلوماسي كبير.
وقد أدى ذلك إلى الإجماع السائد في مشاركة الأمم المتحدة تفاؤلها بشأن جهودها لاستئناف عملية السلام.
ومع ذلك، فإن تكاليف عملية صافر تتجاوز الآن الإيرادات الحالية المحتملة من النفط. على أية حال، ما يزال الحطام (صافر) تحت سيطرة الحوثيين، ولا يزال عرضة للألغام البحرية العائمة التي يطلقونها.
وعلى الرغم من إيجابية الأمم المتحدة، فإن الانفراجة الهشة على وشك الانهيار. يواصل الحوثيون الاشتباك مع القوات الجنوبية في الضالع ويافع، ووردت أنباء عن اشتباكات جديدة في جميع أنحاء تعز. لم يؤدِ الانفراج السعودي - الحوثي إلا إلى التخلص من الضربات العابرة للحدود، في حين عزز المتمردون مواقعهم على جميع الجبهات.
علاوة على ذلك، هدد رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، مهدي المشاط، مؤخرا بشن ضربات صاروخية جديدة عابرة للحدود.
من الواضح أن المملكة العربية السعودية تتوقع تصعيدا وشيكا من قِبل المتمردين. تنطوي تكتيكات الحوثيين دائما على تصعيد الخطاب، أو زيادة المطالب لانتزاع أقصى قدر من التنازلات من المملكة العربية السعودية أو الأمم المتحدة.
لم تشهد الفترة منذ أكتوبر 2022 أي تغييرات في سلوك الحوثيين. لقد التزموا فقط بالتوافق مع المملكة العربية السعودية على وقف الضربات العابرة للحدود؛ لأنها سمحت لهم بإعادة تجميع صفوفهم وتدريبهم، وإعادة نشر المليشيات عبر أراضيهم.
مع بروز أزمة تلوح في الأفق، يزور المبعوث الأمريكي الخاص، تيم ليندركينغ، منطقة الخليج مرة أخرى بعد زيارة قام بها المبعوث الخاص للأمم المتحدة، هانز غروندبرغ، إلى الرياض في شهر أغسطس الماضي.
إن تحرك المملكة العربية السعودية لدعم إنشاء مجالس فرعية جديدة في حضرموت وشبوة، على وجه الخصوص، قد يؤدي إلى نتائج عكسية للغاية.
بينما يستعد الحوثيون لتجديد الأعمال العدائية داخل اليمن وعبر الحدود، سيؤدي ظهور مجالس متنافسة إلى تفاقم تشرذم خصوم الحوثيين.
وفي حين تتوخى المملكة العربية السعودية توحيد الفصائل المناهضة للحوثيين بموجب اتفاق الرياض، غير أن سوء إدارتها للمنافسات في جميع أنحاء جنوب اليمن، وداخل مجلس القيادة الرئاسي، قد مهد الطريق لخسائر أكبر محتملة في الحديدة وتعز.
في نهاية المطاف، قد يختار الحوثيون الاشتباك مع القوات الجنوبية مجددا، وهي خطوة يمكن أن تجر الإمارات العربية المتحدة، التي هاجمها الحوثيون مؤخرا، إلى الصراع، وتزيد من زعزعة استقرار المنطقة.
فير أوبزرفر - فرناندو كارفاخال