في تقريرها السنوي لعام 2025، سلطت منظمة العفو الدولية الضوء على التدهور المتسارع في أوضاع حقوق الإنسان في منطقة شرق وجنوب آسيا، مع تركيز خاص على الانتهاكات الممنهجة في دولة الإمارات في ظل واقع آلة القمع وادعاءات التسامح.
وجاء التقرير بمثابة إدانة صريحة للسلطات الإماراتية التي تواصل استغلال القوانين المحلية لقمع الحريات وتكميم الأفواه، تحت غطاء خطاب رسمي يتغنى بالتسامح والانفتاح.
وأحد أبرز ما تضمنه التقرير كان إدانة المحاكمات الجماعية الأخيرة التي شهدتها الإمارات، حيث أصدرت السلطات أحكامًا بالسجن المؤبد بحق 43 ناشطًا في قضايا اعتبرتها المنظمة جزءًا من حملة ممنهجة لكتم الأصوات المعارضة.
ووصفت العفو الدولية تلك المحاكمات بأنها “جائرة إلى حد بعيد”، مشيرة إلى أن العديد من المتهمين حُرموا من الحق في محاكمة عادلة، وتعرضوا لأشكال من التعذيب وسوء المعاملة، بما في ذلك الاحتجاز الانفرادي المطول، والإكراه على الإدلاء باعترافات تحت الضغط.
احتجاز بعد انقضاء المحكوميات
كشف التقرير عن استمرار احتجاز العشرات من سجناء الرأي رغم انقضاء مدد محكومياتهم منذ سنوات.
ويُعد هذا السلوك خرقًا واضحًا للقانون الدولي والمعايير الأساسية لحقوق الإنسان، حيث تلجأ السلطات إلى إبقاء هؤلاء الأفراد قيد الاعتقال بذريعة “إعادة التأهيل”، وهي آلية تُستخدم في الإمارات لتبرير استمرار حبس المعارضين رغم انتهاء فترة عقوبتهم القانونية.
وأكدت المنظمة أن هذا الإجراء يسلط الضوء على غياب الضمانات القضائية، واستغلال السلطة التنفيذية للمؤسسات القضائية لتصفية الحسابات السياسية، دون اعتبار للحقوق الأساسية للمحتجزين.
القوانين الفضفاضة وتكميم الأفواه
أشارت العفو الدولية إلى أن الإمارات تعتمد بشكل ممنهج على قوانين فضفاضة ومبهمة، مثل قانون مكافحة الإرهاب وقانون الجرائم الإلكترونية، لتجريم التعبير السلمي عن الرأي، وفرض رقابة صارمة على وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.
وتعزز هذه القوانين مناخ الخوف والرقابة الذاتية في البلاد، وتُستخدم لمعاقبة كل من يعبّر عن رأي لا يتماشى مع الخط الرسمي للدولة، سواء عبر منصات الإنترنت أو في المحافل العامة. وقد حذرت المنظمة من أن استمرار العمل بهذه القوانين يرسّخ ثقافة الإفلات من العقاب ويجهز على أي مساحة محتملة لحرية التعبير.
أحمد منصور: رمز القمع الصامت
في هذا السياق، أعاد التقرير تسليط الضوء على قضية الناشط الحقوقي البارز أحمد منصور، الذي لا يزال محتجزًا في الحبس الانفرادي منذ عام 2017.
ووصفت العفو الدولية ظروف احتجاز منصور بأنها “قاسية ولا إنسانية”، حيث يُمنع من التواصل المنتظم مع عائلته أو محاميه، ولا يُسمح له بالحصول على الكتب أو ممارسة الرياضة أو التهوية الكافية.
ويُعد منصور من أبرز الأصوات الحقوقية المستقلة في الخليج، وقد تعرّض مرارًا للمضايقات والاعتقال بسبب نشاطه في الدفاع عن حقوق الإنسان. واعتبرت المنظمة استمرار احتجازه بهذا الشكل دليلاً على نية السلطات إسكات كل من يجرؤ على انتقاد سياساتها القمعية.
التسامح كقناع لانتهاكات حقوقية
انتقدت منظمة العفو الدولية الاستخدام المكثف لخطاب “التسامح” و”الحداثة” من قبل السلطات الإماراتية، معتبرة أن هذا الخطاب يُستخدم كقناع لتغطية السجل السيئ في مجال حقوق الإنسان.
وفي الوقت الذي تستضيف فيه الإمارات فعاليات ثقافية ودينية للترويج لصورتها كواحة للتعايش، تستمر في قمع النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين خلف أبواب مغلقة.
وأكد التقرير أن هذا التناقض الفج بين الصورة الإعلامية التي تروّجها الإمارات والواقع القمعي على الأرض يجب أن يدفع المجتمع الدولي إلى إعادة النظر في علاقاته مع أبوظبي، لا سيما في ظل استمرار التعاون العسكري والأمني والاقتصادي بين دول غربية والنظام الإماراتي.
واختتمت المنظمة تقريرها بدعوة واضحة للمجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية تجاه الانتهاكات المتكررة في الإمارات.
وطالبت الحكومات التي تقيم علاقات وثيقة مع أبوظبي بالضغط من أجل الإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين، وإنهاء استخدام القوانين القمعية، وتوفير ضمانات حقيقية لحرية التعبير والتجمع السلمي.
كما دعت العفو الدولية إلى تشكيل آليات دولية لمراقبة مدى التزام الإمارات بمعايير حقوق الإنسان، مشددة على أن تجاهل هذه الانتهاكات يهدد بتقويض النظام الدولي القائم على احترام الحقوق والحريات.