في لقاء تلفزيوني، أجرته قناة اليمن اليوم، وصفه المذيع بالتاريخي، ولا أعلم السبب الذي دفعه إلى إلصاق صفة «التاريخي» بذلك اللقاء، ظهر علي ناصر بعد غياب تليفزيوني طويل تقريباً، سبقته توطئة بان أجرت معه إحدى الصحف لقاءاً، ونشرته صبيحة ذات اليوم الذي بُث فيه اللقاء.
هذا الظهور الاعلامي المكثف، لكلاً من علي ناصر وحيدر العطاس أيضاً، تزامن وذكرى السابع والعشرين من أبريل، ذكرى حرب 94، وكأن وراء الأكمةِ شيءُ ما..؟
قد يكون الأمر طبيعياً أن يستطلع الإعلام رأي شخصية جنوبية اعتبارية في ذكرى كهذه، لكن المستغرب أن يتم بتلك الطريقة التي تبتعد عن طبيعة المقابلات الإعلامية، لكن علينا أن نأخذ في ذات السياق علاقة علي ناصر بهذا اليوم، لا تبدو بتلك الوطأة التي وقعت على من تلقى نيران الحرب، بل إن موقفه على النقيض تماماً.
حسناً.. لنمرر عملية ربط التاريخ بالمقابلة، ولنقل أن مجرد محض صدفة.
العطاس، هو الأخر، ظهر إعلامياً ذات الليلة، لقد تميز حديثه هذه المرة بنبرة واهية، كتنحنح الراغب بما عُرض عليه لكنه يخشى أن يعرف الناس ذلك، لقد طالب مجلس الأمن بالعمل على مساعدة اليمن في تطبيق «مخرجات الحوار الوطني الشامل». سبق تصريحات العطاس توارد معلومات عن عودته الوشيكة إما لأجل منصب رئيس الوزراء، في حال تغيير باسندوة، أو رئيساً لإقليم حضرموت. والثاني أقرب إلى دغدغة مواقف ولسان العطاس.
إذن، لقد كان ظهور علي ناصر من أجل التذكير بان هنالك "علي ناصر" واحداً من الخيارات المطروحة لشغر واحدِ من تلك المناصب التي فرخها حوار موفمبيك، بدا كمن يريد حشر نفسه في ساحة يراها تخلو، شيئاً فشيئاً، للعطاس. هو سباق محموم بين الرجلين منذ أن طرح إسميهما على طاولة خلافة باسندوة على كرسي رئاسة الحكومة منذ فترة.
***
تجاوزاً لموضوع توقيت اللقاء، لنتحدث عن اللقاء نفسه، والذي لم يكن لقاءاً كسائر اللقاءات التلفزيونية بأن يكون على شكل حوار بين مذيع وضيف بل كان أكثر من ذلك ومضةَ لتلميع علي ناصر الذي شرع في التباهي بنفسه.
وقف بزهو أمام مجموعة من صوره التذكارية، وبدأ في الإشارة إليهن واحدة تلو أخرى، هذه مع بريجنيف وهذه مع جورباتشوف...إلخ، له الحق في الحديث بلهجة المتباهي بنفسه ما دامه ألتقى بمثل هؤلاء. لكن هل حز في نفسه، وهو يذكر جورباتشوف، التردي الذي لحق بالاتحاد السوفييتي وصولاً إلى الانهيار في عهد جورباتشوف نتيجة الممارسات الغبية التي مارسها..؟ لا أعتقد.
تحدث، في حالة أخذته من النرجسية، عن مبدأ «الحوار» الذي انتهجه، وإنه لم يحد عنه قيد شعرة، وسرد بعد ذلك تجاربه الحوارية..! مع «صنعاء» ومع «السعودية» ومع «عمان» ...إلخ، وتساءلتُ، لما لم يطرح «مبدأ الحوار» يا ترى أمام الخلافات التي واجهت الحزب الاشتراكي اليمني في أواخر العام 1985..؟ وأين تلاشى ذلك المبدأ، وهو "رجل الحوار" كما وصفه المذيع، حين كان يُعطي أوامره لـ«حسان» مرافقه الشخصي بتصفية أعضاء المكتب السياسي..؟ تلك الأوامر التي فتحت الباب لحرب خسر فيه الوطن نخبة من خيرة أبنائه.
بدا اللقاء في مجمله محاولة للإعلاء من شأن قائد «الزمرة»، وتعززت تلك القناعة أكثر ، على الأقل عندي أنا، من خلال مداخلة، أعقبت اللقاء، في فقرة أخرى من ذات البرنامج، لشخصية مسئولة قالت فيها "اتصل بي علي ناصر أمس وقَلّي: معي لقاء بيعرض اليوم بقناة اليمن اليوم مع محمد منصور - المذيع - هذا من حقنا الزمرة"...! وهذا الحديث أذيع على الهواء، وبإمكانكم العودة إلى التسجيل.
حقاً..!
تتباهى تلك الشخصية بمصطلح «الزمرة» دونما أية مراعاة للمشاهدين، الذين قد يكونون ممن خسروا قريباً أو صديقاً أو رفيقاً لهم في تلك الحرب، ورد المذيع بقهقهة خفيفة، فيما يبدو أنه تباهي بما يعتبرها إشادةَ من علي ناصر. بالمناسبة: تلك الشخصية تشغر منصباً رفيعاً في السلطة التنفيذية، التي يبدو أنها هي أيضاً - السلطة التنفيذية - قد اصطبغت بلون«الزمرة»..!
***
كأن هذه القيادات الهرمة والشائخة، والغبية أيضاً، هي وحدها من يمتلك الحق الحصري لصدارة المشهد الجنوبي، تطارد الجنوب بإرث صراعاتها التاريخية وتستلهم خطاباتها من منظور تلك الصراعات. كأن الجنوب، تلك الجغرافيا وذلك الإنسان، لا يمثله إلا أشخاص يعدون على أصابع اليد الواحدة: علي ناصر، البيض، العطاس، باعوم, ومن "تعبروا" ،مؤخراُ، بعربة القيادة الوهمية المحتكرة لأربعتهم، والتي يقودونها وفق أهوائهم، كمحمد علي و جماعة "رأي" ومن يلهث للحاق بهم من الغاوين، إلا أنهم يظلون، وهم الهرمين أيضاً، في الصف الثاني أو الثالث لسلم القيادة المفروض قسراً، فُرض في لحظة زمنية لم ينتبه إليها الكثيرون، على الجنوب. بينما يظل الشعب مجرد كرت للرهان على مصالح شخصية.