( الحراك الجنوبي )
لم يكن العام 2006م هو بداية ظهور القضية الجنوبية ولكن كان بداية تحرك الجماهير لاستعادة الحقوق بعد نفاذ صبرهم من سلوكيات صالح وأركان حكمه تجاههم أما بداية قضيتهم فقد بدأت في العام 1994م بعد حرب الانفصال التي أدت الى سيطرة صالح على الجنوب فقد أطلق العنان لزبانيته وقادته لتعيث في الجنوب فساداً لأراضيه استيلاءً وتسويراً ولخيراته نهباً وسيطرةً ولأبنائه اقصاءً وابعاداً ولقادته قتلاً وتشريداً , تعامل صالح مع الجنوب كما يتعامل الصهاينة مع فلسطين "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض " أما صالح فقد غير الشعار الى " أرض بلا شعب لعائلة تملك الشعب "
مع أن أبناء الجنوب لم يقفوا ضد صالح وحكومته فلم يكن باستطاعته دخول الجنوب والسيطرة عليه لولا مساعدة أبناء الجنوب سواءً كانوا مدنيين أو عسكريين وعلى رأسهم الرئيس عبده ربه منصور هادي , ولم يتعاملوا معه كمحتل انما تعاملوا معه كحاكم شرعي سلموا له كل المؤسسات ظناً منهم أن يستطيع ان يقدم لهم ما حرمهم منه الحزب الاشتراكي حينما حكم الجنوب ولهذا فأننا لم نسمع عن أي احتجاجات جنوبية ضد حكم صالح بين عامي 1994و2004م رغم شعورهم بالظلم لكن على أمل ان تتحسن الأمور مستقبلاً
لكن صالح تعامل مع الجنوب حسب نظرية السياسي الفرنسي "جول مارازان " الذي يقول : لا أخلاق في السياسة , فقد عمل صالح على تهميش القادة الجنوبيين المؤثرين أمثال الرئيس عبده ربه منصور الذي أبعده من وزارة الدفاع وعينه نائباً للرئيس (بدون أي مهام) وأحال معظم قادة الجيش الجنوبيين الى التقاعد قسراً قد يفهم من هذه الإجراءات أنها لضمان استقرار الحكم ولكن مالم يفهم هو سيطرة عائلة صالح وأتباعه على أراضي وثروات الجنوب كما قال تقرير (هلال – باصرة ) بأن "15 شخصية نهبت أراضي الجنوب " وهذا ليس له الا تفسير واحد وهو السيطرة والتملك للشعب والوطن من اجل الوصول الى توريث الحكم والبلد للعائلة والأتباع
كانت انتفاضة أبناء الجنوب عام 2006م كفيلة بإعادة الأمور الى نصابها لو كانت هناك نية صادقة لمعالجتها وتم الاستجابة لمطالبهم التي كانت حقوقية صرفة وهي " إعادة المبعدين و المتقاعدين ومحاسبة الناهبين " ولكن لو كان صالح ينوي حل مشكلة الجنوب وإعادة الحقوق لما سمح بانتهاكها منذ البداية , لكن ما حدث كان مخطط له ولذلك كان تعامل صالح مع المشكلة بطريقة اللف والدوران واللعب على المتناقضات فقد قام بصرف حوالي 50 مليار ريال استخدمها لشراء بعض الشخصيات وصرف السيارات وأعلن عن انه حل مشكلاتهم , لكنه ابتعد عن جوهر المشكلة تماماً وأخفى تقرير " هلال - باصرة " الذي تحدث عن ناهبي الجنوب بالأسماء وهذا ما جعل الاحتجاجات تتصاعد فواجهها بالقتل والاعتقالات والتهم بحق أبناء الجنوب مما دفعهم الى رفع سقف مطالبهم والدعوة الى فك الارتباط والانفصال
كانت القضية الجنوبية إحدى المشكلات المعقدة وأكثر أجزاء قنبلة صالح الموقوتة التي استلمها الرئيس هادي وكان عليه أن يعمل على حلها من خلال معرفة الاسباب التي ادت اليها ومعالجتها وليس التعامل مع نتائجها كما فعل صالح , لكن ما زاد الأمور تعقيداً أن الأطراف التي كانت سبباً في ما حدث للجنوب عادت لتتصدر المشهد من جديد محاولةً استثمار غضب الشارع الجنوبي لتحقيق مكاسب سياسية واستطاعت بمساعدة بعض الدول الاقليمية شراء الولاءات وكسب الأنصار واستخدمت الاعلام للترويج لمشاريع الكراهية والمناطقية وظهرت أعمال عنف وقتل وتقطعات ونهب ممتلكات كان ضحيتها مواطنين شماليين ليس لهم أي علاقة بالسلطة لكنهم وقعوا ضحية ممارسات صالح الإقصائية من جهة والمتسلقون على حقوق الجنوب من كانوا سبباً في مآسيه من جهة أخرى ونتيجة للشحن الإعلامي والتعبئة ضد كل ما يمت للشمال بصله.
رغم أن السلطة الان بيد الجنوبيين ومشكلات الجنوب في طريقها الى الحل وقد بدأت خطوات حلها برد الحقوق كإعادة المبعدين والمتقاعدين الى وظائفهم ولجنة الاراضي التي بدأت عملها لإعادة الاراضي المنهوبة الى أصحابها وقد تم الاتفاق في مؤتمر الحوار الوطني على نظام الحكم الاتحادي حلاً لمشكلة الحكم , مما يعني أن من يرفع شعارات الانفصال اليوم لم يعد له مبرراً مادام أن المشكلة في طريقها الى الحل وهذا ما يجب أن يعيه أبناء الجنوب أن من يحاول أن يدفعهم الى رفض الحلول التي تم الاتفاق عليها بين أطياف الشعب اليمني انما يريد أن تستمر معاناتهم حتى يتاجر بها مع بعض دول الاقليم التي تريد نشر مشاريعها السياسية والفكرية عن طريق استمرار الفوضى
لكن يبقى على عاتق الرئيس هادي وحكومته الاسراع في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الحوار الوطني من معالجات وحلول والوصول الى حكومة منتخبة تستطيع تحقيق الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي حتى تقطع الطريق على اصحاب المشاريع الخاصة الذين يتاجرون بقضايا الشعب اليمني على أبواب دول الجوار وحتى يقتنع أبناء الجنوب بأن حقوقهم عادت اليهم وأنهم أصبحوا شركاء في السلطة والثروة بعيدا عن المركزية والإستبداد ..