في تناولة سابقة " بصحيفة الجمهورية الثلاثاء 15يناير 2013م" جرى التأكيد أن القضية الجنوبية ليست قضية سياسية جهوية تتعلق بالجغرافيا، فالجنوب جمع الاثنتين معاً " الجغرافيا والسياسة" فأصبح بهذا المعنى مشروعاً سياسياً اقتصادياً اجتماعياً ثقافياً يمنياً بامتياز يأخذ صفته ونوعيته وفكره وتطبيقاته من كونه جنوبياً مختلفاً عن الشمال بكل تفاصيل وطريقة الحياة.
فقد ظلت حاضرة الجنوب " عدن" ملاذاً آمناً لأبناء اليمن من مختلف تكويناته الجغرافية تحتضن كل الأفكار المرفوضة والمقموعة في باقي بلاد اليمن كما كانت مأوى لكل المناضلين اليمنيين والمشاريع السياسية التي كانت تنشد الخلاص من العبودية والاستبداد فكانت كلما اسودت الحياة في الشمال لجأ الناس إلى الجنوب وبالمثل كان الناس والقوى التي لا تجد متنفساً في الجنوب تلجأ إلى الشمال والشواهد التاريخية كثيرة في هذا المجال.
باختصار جداً ما يجري اليوم في الجنوب من نضال سلمي منذ 2007م هو استجابة موضوعية لنضالات الشعب التاريخية في الجنوب بمعنى المشروع السياسي الوطني حتى تحققت الوحدة في 22مايو 1990م وكان حرياً بالنخب السياسية اليمنية " شمالية وجنوبية" من بعد الوحدة وحتى اليوم أن تدرك الحقيقة سالفة الذكر وأن لا تسعى لإلغاء ومصادرة مشروع الجنوب السياسي الوطني بضربه وتصفيته لفرض مشروع آخر هجين يجمع أشكال ما قبل الدولة وما قبل النظام والقانون.
بل كان يفترض الدخول مع مشروع الجنوب السياسي الوطني في شراكة وطنية حقيقة لكن ما حصل في تركيبة دولة الوحدة "مايو 90- إبريل94" ان تم حشد كم هائل من الصعوبات أمام ذلك المشروع وتم تدميره بالقضاء على وسائل إنتاجه وينابيعه الفكرية وإضعاف حامله السياسي "الحزب الاشتراكي اليمني " فتجلت مظاهر عدم تطبيق الشراكة الوطنية بعد تحقيق الوحدة مايو 90م بممارسات خنق ذلك المشروع الوطني لفرض مشروع سياسي آخر كان مطبقاً في الشمال.
وكل ذلك طرح أمام الجنوب كمشروع سياسي وطني تم القضاء عليه وليس كجهة جغرافية متطلبات جديدة ارتبطت بنتائج كارثية أوجدتها حرب صيف 94م مما أدى بعد معاناة وصبر كبيرين إلى الاستجابة لتلك المتطلبات فانفجر الحراك الشعبي الجنوبي السلمي في 2007م وشاركت فيه كل القوى السياسية صاحبة مشروع الجنوب السياسي الوطني أينما تواجدت في أرض اليمن وخارجه.
وللخلاص من الدوامة التي تعصر اليمن داخل النفق المظلم الذي تعيش فيه وتكاد تفقد توازنها وتتبعثر خارطتها الجغرافية ينبغي إدراك حقائق الواقع وعدم القفز عليها بفرض الأمر الواقع بقوة السلاح والمال فلم تعد اليوم مفاعيل القوة " السلاح والمال" هي التي تحدد نوعية المشروع السياسي الحاكم كما كان من قبل فقد تغيرت كل المعادلات السياسية في العالم وفي منطقة قلب العالم "الشرق الأوسط ".
وللمحافظة على وحدة اليمن وتجنيب البلاد والعباد سلسلة حروب قادمة وتشرذم ينبغي على مراكز القوى القابضة على زناد المدافع والدبابات والصواريخ وخزائن المال المنهوب أن لا تنسى أن الجنوب والشمال كانا مشروعين سياسيين متناقضين تم توحيدهما على قاعدة التغيير وفقاً لشروط جديدة هي ليست شروط المشروع السياسي الشمالي ولا شروط المشروع السياسي الجنوبي وإنما مشروع وطني جديد قاعدته التعددية والمواطنة المتساوية والدولة المدنية الحديثة يستوعب الجميع بما في ذلك الهاربين من الشمال إلى الجنوب والعكس الهاربين من الجنوب إلى الشمال .
وينبغي عليها أيضا أن تدرك أنها انقلبت على كل ما تم الاتفاق عليه ولست متحمساً لسرد التفاصيل فنحن اليوم أمام منعطف خطير إما ان يتفق اليمنيون على مشروع سياسي وطني تعددي ديمقراطي جديد يعلي من شأن المدنية والمواطنة المتساوية أو يعيدون خيباتهم من جديد غير مستفيدين من دروس الماضي وسيظلون في متاهة حتى وإن انتصر مركز قوى بالحديد والنار فعليه أن ينتظر ثورة جديدة تقتلعه.
ومن حقنا كمدنيين نطالب ونناضل من أجل المشروع المدني اليمني الديمقراطي أن نضع سؤالاً واحداً إلى متى ستظل بعض مراكز القوى تعتمد على فرض مشروعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي بقوة الحديد والنار والحسم العسكري؟! وتتبعه بسيطرة اقتصادية وتهميش وإلغاء مستخدمة نفس الخطاب والمفردات وأدوات القمع " سلاحاً وجيشاً وأمناً واقتصاداً ووظيفة عامة وفتوى دينية"
يمكن للقابضين على أزرار قذائف الصواريخ والدبابات أن يهددونا صباح مساء بل ويقصفونا كما حصل في " سناح الضالع" قصف خيمة العزاء مساء الجمعة الماضية أو في تعز أبان ثورة الشباب السلمية لكنهم في هكذا ممارسات اجرامية يسجلون نهايتهم الأبدية في سجلات التاريخ كمجرمي حرب وستطاردهم الأجيال في المحاكم المحلية والدولية
ويلح علينا جميعاً اليوم سؤال هام هل سنستفيد نحن اليمنيون من الفرصة التاريخية التي أعطيت لنا بالمبادرة الخليجية وآليتها والحوار الوطني ومخرجاته ووقوف المجتمع الاقليمي والدولي معنا للخروج من النفق المظلم الذي وضعتنا فيه مراهقات النخب السياسية وعبيدها أولئك القابضين على أزرار المدافع والصواريخ المحنطين داخل بدلات الكاكي ود سمال وشيلان القبيلة والسلطنة والمشيخة ؟ أم سنقف ضد مسلمات وسنن التغيير والتغير وسنستخدم ما تحت أيدينا من ترسانة السلاح لتدمير بلدنا.
ألم تدرك قيادات مراكز القوى الممانعة للتغيير أن أساليبها لم تتغير وإن تغيرت أسماء الأشخاص ألم تعتبر قيادات مراكز القوى اليوم بمصير قيادات مراكز القوى في مراحل صراع سابقة " أغسطس 68م في الشمال و78 و86م في الجنوب وحرب صيف 94م المشؤومة ؟ّ
وأخيراً : هل يفقه العسكر ومشايخ القبائل والحالمون بالسلطنات وأصحاب المصالح التجارية الضيقة في هذه البلاد المنكوبة بنخبها أن الانتصار بالسلاح لا يدوم كما أن ممارسة الارتزاق بالسلاح وأكل السحت وتعميم أشكال ما قبل الدولة في مربعات جديدة كانت الحياة المدنية قد ترسخت فيها " تعز وعدن وحضرموت" يعجل بتدمير مصالح الأشخاص الذين يمارسون ذلك ويؤدي إلى تدمير اليمن كلها. اللهم إني بلغت اللهم فاشهد.