كشف تحليل لخبير جيوسياسي إسرائيلي عن ملامح تعاون استراتيجي عميق بين الإمارات وإسرائيل في اليمن، تعاون يتجاوز الدعم غير المباشر ليصل إلى مستوى التخطيط المشترك وإعادة هندسة الجغرافيا السياسية والعسكرية لشرق وجنوب البلاد.
ويرى مراقبون أن الإشادة الإسرائيلية الصريحة بما يجري في حضرموت وسقطرى وعدن تمثل مؤشرا على حجم الرهان الذي تضعه تل أبيب وأبوظبي على هذا المسرح الحيوي من الإقليم.
فقد وصف الخبير الإسرائيلي آفي أفيدان سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعومة إماراتياً، على وادي حضرموت النفطي بأنها “نجاحات عسكرية بارعة” و”عبقرية خلقتها الإمارات”.
ويشف ذل عن تبنٍ إسرائيلي كامل للرواية الإماراتية التي تسعى لتقديم تحركاتها في اليمن كإنجازات أمنية ذكية، بعيدة عن كلفة المواجهة المباشرة، وقائمة على تمكين الوكلاء المحليين.
ووفق تحليل أفيدان، جرت السيطرة على مدينة سيئون، بما فيها القصر الرئاسي ومطار سيئون الدولي ومرافق حيوية أخرى، “دون مقاومة تُذكر”.
ويثير ذلك تساؤلات حول طبيعة الترتيبات التي سبقت العملية، وحول ما إذا كانت هذه “اللا مقاومة” نتيجة توافقات سياسية وأمنية معقدة، أم انعكاساً لاختلال ميزان القوة الذي صنعته الإمارات عبر سنوات من بناء التشكيلات المسلحة خارج إطار الدولة اليمنية.
غير أن أخطر ما في التحليل الإسرائيلي لا يكمن في توصيف العملية العسكرية، بل في الكشف عن استراتيجية أشمل وصفها أفيدان بـ”استراتيجية الكماشة” الإماراتية-الإسرائيلية.
وتبدأ هذه الاستراتيجية، بحسبه، من جزيرة سقطرى ذات الموقع الجيوسياسي الفائق الأهمية، حيث تحدث صراحة عن “مراكز استخباراتية مشتركة بين أبوظبي وتل أبيب”، ثم تمتد عبر عدن وصولاً إلى حضرموت، في قوس نفوذ يطوق الجغرافيا اليمنية من الجنوب والشرق.
ويضع الخبير الإسرائيلي هذه الاستراتيجية في سياق السيطرة على الموانئ والنفط وطرق التجارة العالمية، مشيراً إلى أن هذه المناطق تؤثر على نحو 30% من حركة الشحن العالمية.
بهذا المعنى، لا يعود اليمن ساحة نزاع محلي أو حرب أهلية، بل يتحول إلى عقدة مركزية في معادلة الأمن البحري العالمي، وإلى ركيزة أساسية في مشروع الهيمنة على الممرات البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي.
وفي توصيف شديد القسوة، اعتبر أفيدان أن قوات صنعاء باتت “محاصرة”، وذهب إلى حد تشبيه العاصمة اليمنية بـ”فرمة لحم محسوبة”، محرومة من الوقود والسلاح والإيرادات.
ويعكس هذا الخطاب، الذي يتجاوز التحليل إلى التشفّي، رؤية أمنية إسرائيلية ترى في تجويع الخصوم وخنقهم اقتصادياً أداة مشروعة لإخضاعهم، وهي رؤية تجد في الأداء الإماراتي شريكاً مثالياً لتنفيذها ميدانياً.
وقد ربط التحليل بشكل مباشر بين هذه التطورات والدور الإسرائيلي، إذ قال أفيدان بوضوح إن “إسرائيل تسيطر على السماء والبحر”، وتشن غارات ضد قوات صنعاء منذ عام 2023، ما حوّل البحر الأحمر إلى “حاجز منيع” في وجه ما يسميه تدفق الأسلحة الإيرانية.
وينسف هذا الاعتراف العلني أي ادعاء بأن الدور الإسرائيلي في اليمن هامشي أو دفاعي، ويؤكد أن تل أبيب طرف فاعل في الصراع، ولو عبر واجهات متعددة.
وفي مقارنة لافتة، قدّم أفيدان النموذج الإماراتي-الإسرائيلي بوصفه “إعادة تعريف للكفاءة”، قائماً على التكنولوجيا وتمكين الوكلاء، في مقابل ما وصفه بـ”مستنقعات لا نهاية لها” في التجربة السعودية السابقة ما يكشف عن رغبة إسرائيلية في ترسيخ أبوظبي كالشريك الإقليمي الأكثر انسجاماً مع رؤيتها الأمنية.
وسياسياً، أشاد الخبير الإسرائيلي بالدور الإماراتي في بناء “حصن جنوبي علماني”، عبر تمويل ما يقارب 120 ألف مقاتل من المجلس الانتقالي، وربط ذلك مباشرة بحماية كيان الاحتلال.
كما اعتبر تعهد رئيس المجلس عيدروس الزبيدي بالانضمام إلى “الاتفاقات الإبراهيمية” خطوة مفصلية لترسيخ هذا الكيان الجنوبي كجدار صد في مواجهة إيران ومحورها.
الأخطر أن أفيدان لم يحصر هذا النموذج في اليمن، بل تحدث عن “ثورة أمنية” تمتد إلى بونتلاند في الصومال، وشرق ليبيا، وحتى السودان، في إشارة إلى شبكة نفوذ إقليمي تتقاطع فيها المصالح الإماراتية والإسرائيلية.
وفي ختام تحليله، اعتبر أن “اتفاقات إبراهيم الثانية ليست حلماً بل انتصاراً”، موجهاً مديحاً مباشراً لأبوظبي على ما سماه “تحرير الولايات المتحدة من عبء الاستقرار الأمني”.
وتأتي هذه التصريحات في ظل تحركات عسكرية وسياسية متسارعة في حضرموت والمهرة، وسط صمت دولي مريب، ما يعزز القناعة بأن ما يجري ليس تطوراً عابراً، بل جزء من مشروع متكامل لإعادة رسم خريطة النفوذ في اليمن، وتحويله إلى ساحة نفوذ مشتركة تخدم أجندات إقليمية ودولية على حساب سيادته ووحدته ومستقبل شعبه.