قبل أيام صدر قرار الملك السعودي بتعيين الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد وهذا قرأه البعض على أنه انقلاب يقوم به الملك عبدالله ضد من تبقى من إخوته وأبناء إخوته السابقين لينقل الحكم الى ابنه متعب الذي يتولى قيادة الحرس الملكي وهو نوع من رد الجميل حيث أن الملك عبدالله ما كان له أن يصبح ملكاً لولا وجود ابنه متعب على رأس الحرس الملكي وها هو اليوم يسعى الى أن ينقل الملك اليه
فقد تحدثت الأخبار عقب صدور قرار تعيين مقرن عن قرب تنحي الملك عبدالله بعد أن تدهورت صحته بشكل كبير ( فقد ظهر في اجتماعه مع الرئيس أوباما وهو يتنفس عبر أنبوب صناعي ) لينتقل الحكم بإحدى طريقتين , الاولى : يستلم الحكم ولي عهده سلمان ( المريض أيضاً ) ويصبح مقرن ولياً للعهد ويتم تعيين الأمير متعب ولياً لولي العهد تمهيداً ليصل متعب الى الحكم لاحقاً , الثانية : أن يعتذر الأمير سلمان عن منصب الملك لصالح مقرن ويعين متعب ولياً للعهد بحيث يتم تعيين محمد بن سلمان وزيراً للدفاع مقابل تنحي والده عن منصب الملك
اختيار الأمير مقرن لولاية العهد وهو شخصية عسكرية ومخابراتية ومن أكثر المقربين من الملك عبدالله والمخلصين له يدل بما لا يدع مجالاً للشك على خشية الملك من تمرد عسكري ضد تعيين متعب في ولاية العهد فكان لابد من رجلاً عسكرياً قادراً على المواجهة وهو الأمير مقرن
زيارة أوباما المفاجئة الى المملكة لم يكن لها من تفسير الا أنها جاءت في اطار الترتيبات الجارية لنقل الحكم بطريقة سلسة بما لا يؤدي الى زعزعة الاستقرار , فالولايات المتحدة يهمها استقرار الوضع السياسي في المملكة كونها الحليف الأول لها في المنطقة ومصدر النفط الرئيسي لها
ما يجعلنا نعتبر ما حدث في الأيام الاخيرة انقلاباً هو التعامل غير العادي مع قرار تعيين اخيه مقرن ولياً لولي العهد وما حدث قبلها من تغييرات على المستويات القيادي :
- فقد جاء القرار بنصوص توحي أن هناك شيء ما يجري ترتيبه فقد نص على : مبايعة الامير مقرن ولياً لولي العهد وفي حالة خلو منصب ولي العهد أو الملك يصبح الامير متعب ولياً للعهد أو ملكاً بهذه البيعة ولا يجوز نقضها , وقد ظهر العديد من أبناء الأسرة يبايعون الامير مقرن في الايام التي تلت القرار بل انفردت بعض القنوات بالحديث عن مبايعة أحمد بن عبدالعزيز لأخيه مقرن
- خلال الثلاثون سنة الماضية تم التخلص من أبناء الملك سعود أول ملك بعد أبيه حيث استبعدوا من كل المناصب الرسمية تماماً
- تم التخلص من أبناء الملك فيصل من المناصب السيادية لصالح أبنا عمومتهم حيث تم عزل الأمير تركي الفيصل من المخابرات لصالح بندر بن سلطان الذي عاد من امريكا بعد ان ترددت الاخبار عن قيادته لمخطط للإطاحة بالملك عبدالله , وتم الاطاحة بالأمير خالد الفيصل من إمارة منطقة مكة وتعيين مشعل بن عبدالله بدلاً عنه وتعيينه وزيراً للتربية والتعليم رغم انها من الوزارات التي لا يتسلمها الامراء عادةً , ولم يبق من أبناء فيصل سوى وزير الخارجية سعود الفيصل والذي لم يعد له قرار في رسم السياسة الخارجية
- الأمير أحمد بن عبدالعزيز والذي تم تعيينه وزيراً للداخلية عقب وفاة الأمير نائف ولكن لم يلبث غير أشهر حتى تم الاطاحة به وتعيين الأمير محمد بن نائف الاكثر نفوذاً في وزارة الداخلية بدلاً عن عمه أحمد , وكان الاولى بقرار ولاية العهد الاخير هو الامير احمد كونه أكبر سناً من الامير مقرن ولكن أتت رياح عبدالله بما تشتهي سفينة احمد
- حرص الملك عبدالله على انتقال الحكم وهو لا يزال حياً يعكس قلقه وخوفه من عدم قدرة الأبناء على حل مشكلة الحكم والتوافق على شخصية لمنصب الملك كون من تبقى من أبناء عبدالعزيز هم كبار سن ومصابون بالكثير من الأمراض , ويعرف جيداً عن طموح أبناء اخوته في الوصول الى الحكم , ونتيجة لما يحدث في المنطقة من تغييرات ستؤثر حتماً على الوضع في المملكة
السؤال المطروح اليوم هو: هل سينجح انقلاب الملك عبدالله وينصب ابنه ملكاً ؟ وهل سيرضخ أبناء اخوته الذين يملكون بعض أوراق القوة بأيديهم كالأمير محمد بن نائف الذي يسيطر على الداخلية وأبناء سلطان الذين يسيطرون على الجيش والمخابرات ؟ أم أن طموح كلاً منهم بكرسي الحكم قد يدفعهم الى السعي لإسقاط مقرن ومن خلفه متعب خاصة إذا رحل الملك عبدالله كونه الشخص الوحيد القادر على لم الشمل والسيطرة على العائلة .
ومادام أن ما حدث في مصر من انقلاب قد تم بتخطيط ودعم مباشرين من حكام المملكة فلا نستبعد أن ينقلب السحر على الساحر ويتحول الحكم في المملكة الى صراع ونزاع بين مراكز القوة داخل الأسرة الحاكمة يؤدي الى تفكك الأسرة وخروج الامور من تحت السيطرة , هذا ما نرجوه من الله , وما ذلك على الله بعزيز .