بعد يومين من اختفائه، بدأت السلطات المصرية تحقيقات موسعة في واقعة فقدان سوار ذهبي نادر يعود إلى الملك بسوسنس الأول من ملوك الأسرة الحادية والعشرين، من داخل خزينة قسم الترميم في المتحف المصري في ميدان التحرير، في واحدة من القضايا التي أثارت تساؤلات في الأوساط الأثرية والرقابية خلال الساعات الماضية.
ولا يزال مصير القطعة الأثرية مجهولاً، إذ اختفت أثناء تجهيز وتغليف القطع المخصصة للسفر إلى إيطاليا، ضمن 130 قطعة نادرة، تمثل عصوراً متعددة من الحضارة المصرية القديمة، للمشاركة في معرض كنوز الفراعنة المقرر افتتاحه يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول المقبل في قصر سكوديرييه دِل كويرينالي في روما، ويستمر حتى 3 مايو/أيار من العام المقبل.
أوضحت التحريات أن فرق العمل في المتحف فوجئت خلال عملية الجرد النهائية بعدم وجود السوار داخل الخزينة، بالرغم من تسجيله رسمياً ضمن القطع المقررة للسفر. وعلى أثر ذلك، أخطرت الجهات المختصة التي تحفظت على الموظفين والعاملين ذوي الصلة المباشرة بعمليات التجهيز والجرد، واستجوبت عدداً من المسؤولين والموظفين حول ظروف اختفاء القطعة، مع التحفظ على هواتفهم المحمولة لفحص الاتصالات والرسائل المتبادلة في توقيت مقارب للواقعة.
شملت القرارات حجز ثلاثة موظفين احتياطياً على ذمة التحقيق، لوجود شبهات حولهم، إلى حين فحص الأدلة والقرائن. ويجري تفريغ كاميرات المراقبة داخل أروقة المتحف وأماكن التخزين والتحميل لرصد أي تحركات غير اعتيادية وقت الحادثة، إضافة إلى رفع البصمات من موقع الخزينة والصناديق المخصصة لنقل الآثار لمطابقتها مع العاملين الذين كانوا في المكان.
من جانبها، شكّلت وزارة الآثار لجنة فنية متخصصة لمراجعة إجراءات الحصر والتغليف ودفاتر السجلات الرسمية، مع إبلاغ الجهات الأمنية المعنية بمكافحة تهريب الآثار لمتابعة أي محاولات محتملة لنقل القطعة خارج البلاد عبر الموانئ أو المنافذ الجوية.
كشفت مصادر أن جهات التحقيق استمعت إلى أقوال سبعة شهود من الموظفين وكبار المسؤولين في المتحف، قدّم كل منهم روايته حول آخر مرة شوهدت فيها القطعة والظروف التي رافقت تغليفها، وسط تضارب في بعض الشهادات يخضع حالياً للفحص.
وبحسب التقارير الرسمية، فإن السوار مصنوع من الذهب الخالص، ويبلغ وزنه نحو 600 غرام، وعُثر عليه ضمن مقتنيات مقبرة الملك بسوسنس الأول التي اكتشفها عالم الآثار الفرنسي بيير مونتيه عام 1940 في مدينة تانيس في محافظة الشرقية.
هذا السوار أحد أهم مقتنيات الأسرة الحادية والعشرين، وهو مسجل رسمياً ضمن تعداد الآثار المصرية، ما يجعل بيعه في المزادات العالمية شبه مستحيل، ويسهّل إجراءات استرداده في حال تهريبه.
يظل مصير السوار غامضاً، فيما تؤكد مصادر مطلعة أن التحقيقات تسير في أكثر من اتجاه، يشمل احتمال وجود خلل إداري في عمليات الجرد والتغليف، أو شبهة جنائية تتعلق بسرقة متعمدة، بينما لم يُستبعد أيضاً احتمال تهريبه إلى خارج البلاد قبل اكتشاف الواقعة.
تأتي هذه الأزمة في توقيت بالغ الحساسية، إذ كان من المقرر عرض السوار في المعرض الدولي في إيطاليا الهادف إلى الترويج للحضارة المصرية وتعزيز السياحة الثقافية. أثارت الواقعة قلقاً بشأن سمعة مصر الدولية في مجال الحفاظ على الآثار، خاصة مع تكرار حوادث سرقة القطع الأثرية، في وقت تتابع فيه وفود أجنبية الاستعدادات للمعرض.
تشير التوقعات إلى أن وزارة السياحة والآثار تتجه خلال الأيام المقبلة لاتخاذ إجراءات استثنائية، تشمل إعادة جرد شامل لجميع القطع الأثرية في المتحف المصري للتأكد من عدم فقدان أخرى، وتعزيز منظومة الأمن والحراسة داخل القاعات والخزائن عبر زيادة كاميرات المراقبة وتكثيف الدوريات.