الرئيسية - تقارير - أنيس منصور الصبيحي.. صوتٌ جنوبيّ في قلب العاصفة اليمنية

أنيس منصور الصبيحي.. صوتٌ جنوبيّ في قلب العاصفة اليمنية

الساعة 12:37 صباحاً (هنا عدن/ خاص )


بقلم : علي الحداد 

في مشهد يمني تعصف به الأزمات، ويئنّ تحت وطأة الحروب والانقسامات، يبرز اسم أنيس منصور الصبيحي كواحد من الأصوات الإعلامية والسياسية التي رسمت حضورًا لافتًا، لا تخلو من الجدل، لكنها أيضًا لا تفتقر إلى الأثر. وُلِد في مديرية كرش الصبيحة بمحافظة لحج في الجنوب اليمني، وتحوّل من معلمٍ بسيط إلى صحفي بارز ثم إلى باحث ومستشار دبلوماسي، حمل صوته وهموم وطنه إلى المنابر الإقليمية والدولية.



أنيس منصور، المتزوج والأب لسبعة أبناء، لم يكن طريقه مفروشًا بالضوء. تلقى تعليمه في مؤسسات يمنية وسط ظروف سياسية غير مستقرة، فنال دبلوم معلمين، قبل أن ينتقل لدراسة الإعلام – قسم الصحافة، ويكمل مسيرته الأكاديمية بالحصول على ماجستير في العلوم السياسية، ما منحه أدوات لفهم أعمق لما يحدث في بلده من تحولات.

بداياته المهنية تعود إلى أواخر التسعينيات، حين التحق بصحيفة “الفرسان” محررًا شابًا، ثم تنقل بين أهم المنابر اليمنية مثل “الأيام”، حيث أمضى ثماني سنوات مراسلًا ومحررًا، مرورًا بمواقع إلكترونية مثل مارب برس وصدى عدن والوسط. في كل تجربة، كان منصور يتلمس المساحات الشائكة في الحياة اليمنية، موثقًا الأحداث، وناقلًا صوت الشارع الجنوبي في مواجهة التهميش.

لم يكن أنيس منصور مجرد صحفي يكتب من وراء المكتب، بل كان ميدانيًا، يتنقل بين محافظات الجنوب، حاملاً الكاميرا والمذياع. عمل مع قناة “السعيدة” بين عامي 2011 و2013، وقبلها مع وكالة الأنباء الرسمية (سبأ)، وغطى لصالح هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، كما عمل مصورًا متعاونًا مع رويترز. هذه التجارب صقلته، ومنحته شبكة علاقات واسعة، لكن أيضًا وضعته في مرمى نيران الخصوم. ففي بلد تتقاطع فيه السياسة بالإعلام، لم يكن الحياد خيارًا دائمًا، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالقضية الجنوبية التي تبنّاها منصور منذ سنوات مبكرة.

بين عامي 2009 و2010، تولى أنيس منصور مسؤولية الإعلام في الحراك الجنوبي بمحافظة لحج، في مديريات الحوطة وتبن والصبيحة والمسيمير. لم يكن مجرد ناقل للأخبار، بل أحد أدوات الحراك نفسه. شغل منصب مدير مكتب أمين عام الحراك الجنوبي، في وقت كانت فيه الحركة تناضل من أجل الاعتراف بالقضية الجنوبية، وتُواجه بقمع رسمي. رئاسته لمنتدى الصحفيين في لحج شكلت امتدادًا لهذا الدور، حيث دعم الإعلاميين الشباب، وساهم في خلق بيئة صحفية محلية أكثر فاعلية.

انتقل أنيس منصور من ميادين الصحافة إلى دهاليز السياسة والدبلوماسية، ليشغل لاحقًا منصب مستشار بوزارة الخارجية اليمنية، ثم مستشار إعلامي في سفارة اليمن بالرياض، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات حول تحوّله من ناشط جنوبي معارض إلى مسؤول في مؤسسات الدولة اليمنية المعترف بها دوليًا. كما عمل في دائرة إعلام رئاسة الجمهورية مسؤولًا عن قسم التغطيات المحلية، في وقت كانت فيه الشرعية اليمنية تعاني من انقسام داخلي، وتراجع في ثقة الشارع، خاصة في الجنوب. رغم ذلك، واصل أنيس الحضور عبر وسائل إعلام عربية ودولية، كمحلل سياسي وخبير في الشؤون اليمنية. وتحوّل إلى أحد الأصوات الجنوبية التي تحاول الموازنة بين الواقعية السياسية والانتماء إلى الأرض.

لم تقتصر جهوده على الإعلام المباشر، بل أسس ورأس مركز “هنا عدن” للدراسات الاستراتيجية، وهو منصة بحثية مهتمة بالشأن اليمني، خصوصًا ما يتعلق بالجنوب. قدم من خلاله تحليلات معمقة، مستفيدًا من تجربته السياسية والصحفية، ومن شبكة علاقاته مع منظمات دولية. عمله كباحث معتمد في مفوضية الاتحاد الأوروبي ببروكسل في الشؤون اليمنية – السياسية والإنسانية – فتح له أبواب المحافل الأوروبية، حيث شارك في تقديم صورة أوضح عن واقع اليمن، بعيدًا عن الروايات الرسمية.

لم يغب أنيس عن محطات التفاوض الكبرى التي شهدها اليمن في العقد الأخير. فقد كان عضوًا في مؤتمر الرياض عام 2015، ومشاركًا في مشاورات بيال بسويسرا، وكذلك في مشاورات الكويت عام 2016، كجزء من الفريق الإعلامي. دوره كان توثيقيًا وتحليليًا، لكنه أيضًا تضمن الدفاع عن رؤيته للدولة الاتحادية، وإنقاذ اليمن من الانهيار.

رغم ما راكمه من حضور وإنجازات، لم يخلُ مسار أنيس منصور من الجدل. فقد اتهمه البعض بالتقارب مع حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين في اليمن)، أو علاقات غير موثقة بجماعات متطرفة، أو الاستفادة من العمل الإنساني بشكل غير مشروع – وهي اتهامات لم يُثبتها أي تحقيق رسمي حتى اللحظة، ولا تزال في إطار الحملات السياسية والإعلامية الممنهجة التي تهدف إلى النيل من مكانته المهنية والتشكيك في مواقفه الوطنية الثابتة. لكن هذا الجدل ذاته يعكس التأثير الذي أحدثه؛ فالشخصيات الفاعلة في الأزمات المعقدة لا تنجو من الاستقطاب. في بلد كاليمن، حيث تتغير التحالفات والولاءات بسرعة، يصعب الحفاظ على صف واحد من المؤيدين.

أنيس منصور الصبيحي ليس مجرد إعلامي يمني، بل شاهد على مرحلة مفصلية في تاريخ اليمن الحديث. بين الحراك الجنوبي، وأروقة الدبلوماسية، وبين شاشات القنوات الدولية، ظل يحمل هموم بلده، كما يراها هو. يكتب في صحيفة “عربي 21” بلندن، ويقدم تحليلات سياسية عبر الفضائيات، متناولًا صراعًا بات أكثر تعقيدًا من أن يُختزل في الأبيض والأسود.

رغم كل شيء، يظل أنيس منصور واحدًا من الوجوه الإعلامية اليمنية التي أثبتت حضورها في ساحة متقلبة، تأرجحت بين الوطنية والانقسام، وبين الطموح الشخصي والولاء للمبدأ.

أنيس منصور الصبيحي هو في النهاية انعكاس لوطنه: جريح، متعدّد، مثير للجدل، لكنه حاضر بقوة، وصوته لا يزال يُسمع، في الداخل والخارج .