الرئيسية - أخبار محلية - خولة بجطو تكتب الصين والمغرب في الساحل الافريقي بين مبادرة الحزام والطريق والمبادرة الاطلسية: قراءة في رهانات التوازن الاستراتيجي

خولة بجطو تكتب الصين والمغرب في الساحل الافريقي بين مبادرة الحزام والطريق والمبادرة الاطلسية: قراءة في رهانات التوازن الاستراتيجي

الساعة 05:04 صباحاً (هنا عدن/ خاص )

الصين والمغرب في الساحل الافريقي بين مبادرة الحزام والطريق والمبادرة الاطلسية: قراءة في رهانات التوازن الاستراتيجي

يحتل الساحل الافريقي موقعا محوريا ضمن خرائط التنافس الدولي بحكم كونه مجالا جيوسياسيا مفتوحا على رهانات متشابكة تجمع بين الأمن الطاقي، التحكم في الموارد الطبيعية، ضبط طرق العبور والهجرة، ومواجهة التهديدات العابرة للحدود من إرهاب وجريمة منظمة. هذا الوضع جعل المنطقة محط صراع قوى كبرى وإقليمية، تتقدمها الصين بمشروع الحزام والطريق، والمغرب عبر المبادرة الاطلسية، في مقابل تراجع النفوذ التقليدي للقوى الاستعمارية السابقة.



الصين اعتمدت استراتيجية تقوم على القوة الناعمة من خلال توظيف أدوات اقتصادية وثقافية ودبلوماسية. فقد ربطت الساحل بخطوط التمويل والاستثمار المندرجة ضمن مبادرة الحزام والطريق، مع التركيز على مشاريع البنية التحتية والموانئ والربط الطرقي والطاقي. كما عززت حضورها الثقافي عبر معاهد كونفوشيوس والمنح الدراسية وتوسيع نفوذها الإعلامي في افريقيا. هذه الأدوات الناعمة ترافقها دبلوماسية ديون تستند إلى منح قروض وإعفاءات مدروسة تمنح لبكين قدرة تفاوضية عالية وتحولها إلى فاعل مرجعي داخل اقتصادات هشة تعاني هشاشة مالية وسياسية.

بموازاة ذلك، طورت الصين مقاربة أمنية غير مباشرة. فهي لا تنخرط في قواعد عسكرية علنية، لكنها تزاوج بين المشاركة في عمليات حفظ السلام وتوريد المعدات العسكرية، خاصة الطائرات المسيرة والتجهيزات التقنية ذات الاستعمال المزدوج. وبهذا تضمن لنفسها حضورا ميدانيا تحت غطاء التعاون الأمني، يجعل من دول الساحل مجال اختبار لأنظمة قتالية جديدة دون الاصطدام بمقاومة سياسية محلية.

في المقابل، بلور المغرب مبادرة أطلسية ذات طبيعة شمولية تستند إلى خلفية تاريخية وثقافية عميقة. فمنذ الحقبة الوسيطية، شكلت الصلات التجارية والدينية بين سجلماسة وتمبكتو، ثم باشوية السودان في القرن السادس عشر، أساسا لارتباط استراتيجي بين المغرب وفضاء الساحل. هذه الشرعية التاريخية وظفها المغرب في مبادرته الجديدة التي لا تقوم فقط على بعد اقتصادي أو أمني، وإنما تقدم تصورا تنمويا متكاملا يعيد إدماج الساحل في الفضاء الاطلسي.

المبادرة الاطلسية المغربية تستند إلى مرتكزات عملية أبرزها ميناء الداخلة الاطلسي كمحطة رئيسية لربط دول الساحل بالمحيط، إضافة إلى مشاريع البنية التحتية الكبرى كطريق تزنيت الداخلة. ويواكب ذلك انخراط دبلوماسي نشط يستهدف بناء شراكات جنوب-جنوب قائمة على التعاون الاقتصادي ونقل الخبرات في مجالات المياه والزراعة والأمن الغذائي. هذه الرؤية تمنح المغرب موقعا متميزا كفاعل اقليمي قادر على تقديم بديل استراتيجي عن النماذج الغربية التقليدية أو عن الهيمنة الصينية الصاعدة.

إن ما يميز المقاربة المغربية هو المزج بين الشرعية التاريخية والدبلوماسية الوقائية، حيث يسعى إلى لعب دور الوسيط في أزمات الساحل عبر آليات الحوار السياسي وتعزيز الاستقرار المؤسساتي. في حين تظل المقاربة الصينية رهينة بالمصالح الاقتصادية والطاقية بالدرجة الأولى، مع ما تحمله من مخاطر تراكم المديونية وإعادة إنتاج التبعية البنيوية.

خلاصة القول، إن الساحل الافريقي أضحى ساحة لتقاطع مشاريع كبرى متنافسة، بين مبادرة الحزام والطريق الصينية والمبادرة الاطلسية المغربية. وإذا كان حضور الصين يعكس استراتيجية عالمية متعددة الأقطاب تستند إلى الاقتصاد كأداة اختراق، فإن المبادرة المغربية تقدم مشروعا أكثر تجذرا في السياق المحلي وقابلا لإعادة تشكيل موازين القوى بما يمنح دول الساحل هامشا أوسع للاستفادة من التنافس الدولي دون الارتهان لمنطق الهيمنة.                                                                                                                                                                                                    التوصيات والسيناريوهات المستقبلية

أمام احتدام التنافس الجيوستراتيجي في فضاء الساحل، يبدو من الضروري استحضار سيناريوهات متعددة تحدد طبيعة المخرجات المحتملة.

أولا، سيناريو التوازن التعاقدي: حيث يمكن لدول الساحل أن تنخرط في شراكات مزدوجة مع كل من الصين والمغرب بشكل متوازي، ما يتيح لها تعظيم المكاسب الاقتصادية والتنموية، مع تقليص هامش الارتهان لطرف واحد. هذا المسار يتطلب وجود مؤسسات إقليمية قوية قادرة على التفاوض الجماعي وتوحيد الرؤى، تفاديا لمنطق التنافس الصِفري.

ثانيا، سيناريو الارتهان الأحادي :والذي قد يترتب عنه تحول بعض الدول إلى فضاءات نفوذ خالصة، سواء تحت هيمنة التمويل الصيني المشروط أو في إطار الارتباط الأمني بروسيا . هذا السيناريو يحمل مخاطر تكريس التبعية ويعيد إنتاج ديناميات استعمارية مقنّعة، وهو ما قد يحد من قدرة دول الساحل على صياغة أجنداتها الوطنية.

ثالثا، سيناريو التكامل الأطلسي-الإفريقي: الذي يفترض بناء آليات تنسيقية بين المشاريع الكبرى (الحزام والطريق، والمبادرة الأطلسية، ومشاريع الاتحاد الإفريقي)، بما يسمح بإرساء نموذج تشاركي يقوم على ربط الأسواق الإقليمية وتطوير البنية التحتية العابرة للحدود. هذا السيناريو، رغم صعوبته السياسية، يظل الأكثر ضمانا لاستدامة التنمية ولحماية السيادة الوطنية لدول الساحل.

وبناء عليه، يتضح أن الرهان الجوهري ليس فقط في استقطاب الاستثمارات أو التمويلات الخارجية، وإنما في قدرة الفاعل المحلي على ضبط شروط التعاقد الدولي وتفادي الوقوع في منطق التبعية المزدوجة. إن المستقبل الاستراتيجي للساحل سيُحسم بمدى قدرة نخبه السياسية والقانونية على صياغة عقود دولية متوازنة، تستحضر المعايير السيادية والقانون الدولي للتنمية المستدامة، بعيدا عن ضغوط القوى الكبرى

---
خولة بجطو خريجة ماستر العلوم السياسية والدراسات الدولية بجامعة محمد الخامس الرباط أكدال