في 25 مارس 2015، كانت مليشيات الحـ ـوثي تتجه إلى عدن بسرعة فائقة، وعلّق أحد الكتّاب الصحفيين بقوله: إن شاصات الحـ.ـوثي تصل إلى عدن أسرع من باص الرويشان! كان الوضع محبطًا حقًا، وكان الكاتب يومها مقربًا من الحـ ـوثيين ومن جناح في المؤتمر، متفائل بهم كثيرًا ومتفاعل معهم بإيجابية كبيرة، إلى درجة الثناء عليهم والمدح العلني!
بعد حوالي سنتين من الحـ ـرب، مرّ عندي ذلك الكاتب في مكتب السفير في عمان، ولم أناقشه فيما قال من قبل، ولا فيما اعتبرته تحاملًا عليّ من قبل صحيفته عندما كنت في الإعلام! ولا أعدّ ذلك فضلًا ، بل إن ذلك هو الأصل، والمثل البيضاني يقول: (إذا جاك خصمك فأعزه واكرمه!). وفي الحقيقة، لا أعدّ أمثاله خصومًا، وفي كثير من الحالات، يمكن تفهّم الدوافع والظروف، حتى وإن كنا نرى أن الآخر مخطئ وغير عادل!
على خلفية 2011، التي كنا على وشك تجاوزها، شمت بنا بعض زملائنا الأعزاء السابقين، والحـ ـوثي يقتحم بيوتنا، ويعيث فيها خرابًا ونهبًا. وبعد ثلاثة أشهر من دخول صنعاء، كتبت قصيدة بعنوان: “أحب البحر” (في التعليقات) وكنت بعيدًا على ضفاف البحر المتوسط، أسكن شقة مع ابني عبد الرحمن، تهزها الريح والبرد! وكان الجميع تقريبًا ما يزالون في صنعا بعد توقيعهم اتفاق السلم والشراكة مع الغزاة، وكانت القصيدة تحمل إشارات إلى مآلات الوضع، وأن من استبشر بالحـ ـوثي سيندم، وأن صنعاء لا تستحق إلا من هو مغرم بها ويحبها فعلًا، وليس من يهينها أو يتآمر عليها، سواء الحـ ـوثي، أو من ساعده، أو تخاذل في مواجهته!
عندما اقتحم الحـ ـوثيون صنعاء، كان طبيعيًا أن نشعر بالقهر والغدر والخيبة والصدمة. ولو قرر القائد الأعلى المواجهة، لما استطاعوا اقتحام العاصمة لو قاتلوا مائة عام. لكن تقديراته وحساباته كانت خاطئة، وكان يجب مواجهتهم وهم ما يزالون بعيدين عن العاصمة، وقبل خذلان القشيبي. ولم يكن هادي وحده من أخطأ في التقديرات والحسابات، فحسابات الرئيس صالح كانت خاطئة أيضًا، وكذلك حسابات قيادات الإصلاح، فربما كان الإصلاح قادرًا على مواجهة الحـ ـوثيين وحده!
أما بعض قوى اليسار، فكانت لها حسابات أخرى تجاه الحـ ـوثي، خاطئة تمامًا أيضًا. وكنت أنا أيضًا مخطئًا في تقديراتي، حيث كنت أظن أن مائة ألف من جيش الجمهورية اليمنية يحيطون بالعاصمة، قادرون على حمايتها، وأن القادة الكبار المعنيين يفكرون ويتصرفون بمنطق سليم ومسؤولية. وكنت قد عدت إلى صنعاء قبل أسبوع من الاقتحام، ولم أعد عضوًا في الحكومة منذ 12 يونيو 2014!
وقال المبعوث الأممي بن عمر لاحقًا: كيف لمجموعة صغيرة أن تسيطر على العاصمة؟أين الجيش وأين الأحزاب؟ وقال: هناك من كان يظن أن الحـ ـوثي سيخلّصه من خصومه! وقال: كان هناك خـ ـيانة! وأضاف: في دولة محترمة، كان يجب أن يكون هناك تحقيق!
وعندما كان الحـ ـوثيون بالقرب من عدن، شعرت، مثل كثيرين غيري، بالخيبة والقهر مرة أخرى. وجاء التحالف مباشرة، وبدأ القصف، فاختلطت المشاعر؛ فهذه بلادنا وعاصمتنا، وفيها أبناؤنا وأهلنا، لكنها صارت مختطفة بيد فئة كهنوتية إرهابية متطرفة، تتكلم لغة يمنية، وقلبها غريب، وأجندتها عنصرية فئوية شديدة التخلف، ولا تقبل التفاهم مع أحد إلا أن يكون تابعًا وخانعًا وذليلًا.
وعلى الرغم من أن التحالف تشكّل من أشقاء عرب يمكن الوثوق بهم وفي تصرفهم المسؤول الذي يأخذ في الحسبان مصلحة أشقائهم في اليمن، فإنهم -أي التحالف- قد يتصرفون في حالات خصومًا وغرباء، ولا مبالين، ولا تهمهم اليمن ولا مصلحة شعبها، بل قد يعملون ضدها تمامًا، وهكذا بدا لنا الحال من بعد للأسف!
كنت في القاهرة ليلة بدأت عاصفة الحزم، وكنت أردد شطرًا من زامل لمحمد العابسي: “ساعة وَنَا اْتذكر مواجع صاحبي واْحيان يوجعني تهزاي الخصوم!”
تواصل بي صديق من الكويت ليلتها قائلًا: ستعودون فاتحين!
وبعد حوالي شهر، قال آخر: سوف يُحسم الأمر خلال ستة أشهر. وقلت: ربما خمس سنوات، بالنظر إلى ترتيبات عشوائية لاحظتها في مؤتمر الرياض!
ها نحن اليوم في العام الحادي عشر!
وبعد أقل من شهر من بدايتها، أُعلن انتهاء عاصفة الحزم! وقيل حينها: لقد حققت عاصفة الحزم أهدافها!
واتضح أن هناك مشكلة، إما في تغيير الأجندة، أو أن النية كانت مبيتة لتدمير مقدرات اليمن فقط!
لكن من كان يلاحظ الزخم ووجود السعوديين والإماراتيين والبحرينيين في أخطر مناطق المواجهة، مثل مارب، لا بد أن يشعر أن الأمر جاد. وإن كنا، لسنا بحاجة إلى وجودهم في مارب أو غير مارب، بقدر الحاجة إلى إعادة بناء قوات يمنية واحدة موحدة من كل مناطق اليمن، وتجهيزها بالعتاد، وهي كفيلة بتحرير صنعاء وغير صنعاء!
لكن التوجه كان لبناء مليشيات متناحرة تتبع الممولين الخارجيين، ولا تتبع القائد الأعلى ووزارة الدفاع، ولا تتبع الدولة اليمنية!
وبعد :
هل يستحق التحالف العربي أن نقول له شكرًا؟
لا أظن!
هناك من قد يفعل لأسبابه الخاصة.