الرئيسية - أخبار محلية - خولة بجطو تكتب عن مبادرة الأطلسي ورهانات إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي بالساحل الإفريقي

خولة بجطو تكتب عن مبادرة الأطلسي ورهانات إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي بالساحل الإفريقي

الساعة 09:18 مساءً (هنا عدن/ خاص )

---

مبادرة الأطلسي ورهانات إعادة تشكيل المشهد  الجيوسياسي بالساحل الإفريقي



تعيش منطقة الساحل الإفريقي على وقع تحولات عميقة تعكس حجم الأزمات المتشابكة التي تواجهها. فهي تمثل حزاما انتقاليا بين الشمال والجنوب، يضم دولا تعاني من أزمات اقتصادية خانقة كالفقر والبطالة، ومشاكل اجتماعية حادة مرتبطة بالهجرة والنزوح الناتج عن التغيرات المناخية، إلى جانب تهديدات أمنية متفاقمة بسبب تنامي الإرهاب وعدم الاستقرار السياسي، الذي تجسده الانقلابات العسكرية المتتالية، معرقلة بذلك أي مسار ديمقراطي مستدام.

هذه الوضعية المأزومة دفعت دول الساحل إلى إعادة النظر في تحالفاتها وصياغة تكتلات جديدة، بعدما انسحبت من "مجموعة الخمس" لتؤسس كونفدرالية إقليمية تسعى إلى مواجهة الإرهاب والحركات الانفصالية، وتحرير نفسها من التبعية النقدية للفرنك (سيفا)، في أفق ضمان سيادتها السياسية والاقتصادية.

في خضم هذا السياق، برز المغرب كفاعل إقليمي يدفع بمقاربات جديدة قائمة على التعاون جنوب-جنوب، والابتعاد عن الوصاية الأجنبية. وهو توجه يجد أساسه في الإمكانات الكبيرة التي تزخر بها دول الساحل من موارد طبيعية هائلة وطاقات بشرية شابة، تجعلها مؤهلة لتكون فضاء واعدا إذا ما تم استثمارها ضمن شراكات متوازنة. وتندرج "مبادرة الأطلسي"، التي أطلقها المغرب تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، ضمن هذا الأفق باعتبارها رؤية استراتيجية لإعادة صياغة التعاون الإقليمي على أسس التكامل والمصالح المشتركة.

تحضر منطقة الساحل في صلب هذه المبادرة المغربية، التي ترى في هذه الجغرافيا الحساسة فضاء يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى نموذج بديل، يوازن بين متطلبات الأمن والتنمية المستدامة. فالمغرب، بحكم موقعه الجغرافي كبوابة بين إفريقيا وأوروبا، وبفضل سياسته الإفريقية النشيطة، يسعى عبر هذه المبادرة إلى تعزيز مكانة الدول الإفريقية كأطراف فاعلة في تقرير مصيرها، بعيدا عن الإملاءات الخارجية التي أثبتت محدوديتها.

تأتي هذه المبادرة في ظرفية تعرف تراجعا ملحوظا في حضور القوى الأجنبية وتراجع فعالية التحالفات العسكرية التقليدية، مما يجعلها فرصة لإعادة بناء التعاون على أساس رابح-رابح. فهي لا تقتصر على فتح منفذ بحري لدول الساحل، بل تسعى إلى إنشاء إطار شامل للتعاون يضم تبادل الخبرات، تنمية الموارد البشرية، وتطوير مشاريع استراتيجية في مجالات حيوية مثل الزراعة، الطاقات المتجددة، الأمن الغذائي، والابتكار التكنولوجي.

وعلى المستوى الجيو-استراتيجي، تمثل المبادرة المغربية مشروعا مكملا للمبادرات الغربية مثل "المبادرة الأطلسية الأمريكية" التي تركز على التكنولوجيا وأمن سلاسل التوريد. غير أن خصوصية المبادرة المغربية تكمن في طابعها التضامني الذي يضع التنمية المستدامة في صلب أولوياته، ما يجعلها بديلا حقيقيا عن التدخلات التقليدية ذات الطابع العسكري أو الوصائي.

الأرقام التي ترافق المبادرة تكشف حجم رهانها: إذ تجمع حوالي 23 دولة مطلة على المحيط الأطلسي، إلى جانب دول الساحل، بما يمثل كتلة جغرافية شاسعة تبلغ مساحتها نحو 16 مليون كلم²، وواجهة بحرية تمتد على 15 ألف كلم، وسوقا استهلاكية تقدر بـ530 مليون نسمة. هذا المعطى الديمغرافي، المقرون بوفرة الثروات الطبيعية كالنفط والغاز والذهب والفوسفاط واليورانيوم والصيد البحري، يفتح الباب أمام تكتل اقتصادي إفريقي قادر على فرض نفسه كفاعل دولي مؤثر.

غير أن هذه الطموحات لا تخلو من تحديات، أبرزها هشاشة البنية التحتية، تزايد النزاعات المسلحة، وتنافس القوى الدولية في المنطقة. فبينما تراجع الحضور الفرنسي والأمريكي، تزايد النفوذ الصيني عبر مبادرة "الحزام والطريق" ومشاريع البنية التحتية، إلى جانب الحضور الروسي من خلال "الفيلق الإفريقي" الذي حل محل مجموعة فاغنر، مستثمرا في دعم الأنظمة الانقلابية لتوسيع نفوذه العسكري والاقتصادي.

في هذا المشهد المتقلب، يظل المغرب مطالبا بتعزيز مكانته كوسيط وشريك موثوق لدول الساحل، عبر اعتماد مقاربة شمولية تربط بين الأمن والتنمية، وتستند إلى عمق تاريخي يربطه بالمنطقة منذ زمن القوافل التجارية بين مدن المغرب وتمبكتو.

إن مبادرة الأطلسي لا تقدم مجرد مشروع تعاون اقتصادي، بل تسعى إلى إعادة تعريف علاقة إفريقيا بذاتها، من خلال تقوية السيادة الإفريقية على قرارها السياسي والاقتصادي، وإبعاد المنطقة عن أن تكون ساحة صراع للقوى الكبرى. وهو ما يجعلها مبادرة استراتيجية تحمل في طياتها إمكانية صياغة نموذج إفريقي بديل، قائم على الشراكة الحقيقية والتكامل المستدام.

---


خولة بجطو خريجة ماستر القانون العام والعلوم السياسية تخصص علوم سياسية ودراسات دولية بجامعة محمد الخامس الرباط