بعد سنوات من النمو الاستثنائي، تواجه اختصاصات «علوم الكمبيوتر»، بوصفها مساراً أكاديمياً ومهنياً، تراجعاً ملحوظاً، كما كتبت روز هورويتش (*).
انخفاض عدد طلاب علوم الكمبيوتر
كشفت البيانات الحديثة عن أن الالتحاق ببرامج علوم الحاسوب قد كاد أن يستقر، حيث لم ينمُ إلا بنسبة 0.2 في المائة على الصعيد الوطني الأميركي، مع بدء كثير من المؤسسات الرائدة في ملاحظة انخفاضات فعلية.
ويتجلى هذا التحول بشكل خاص في جامعات مرموقة مثل ستانفورد، حيث استقرت ثم ركدت أعداد خريجي علوم الحاسوب، التي كانت مزدهرة في السابق، وكذلك في برينستون، حيث تشير التوقعات إلى أن عدد خريجي علوم الكمبيوتر قد ينخفض بنسبة 25 في المائة في غضون عامين. وبالمثل، لاحظت جامعة ديوك أيضاً انخفاضاً بنسبة 20 في المائة في عدد الطلاب المسجلين في دورات علوم الحاسوب التمهيدية خلال العام الماضي.
تراجع فرص العمل للمبرمجين والتسريح
السبب وراء هذا التراجع واضح، فقد تراجعت فرص العمل للمبرمجين المبتدئين بشكل كبير. كما أن قطاع التكنولوجيا، الذي لطالما عُدَّ منارة للفرص، غارق الآن في تسريح العمال وتجميد التوظيف ومستقبل غامض، مدفوعاً إلى حد كبير بالتقدم السريع في مجال الذكاء الاصطناعي.
ومن المفارقات أن التكنولوجيا ذاتها التي كان من المفترض أن تضمن وظائف مستقبلية لخريجي علوم الكمبيوتر تحل الآن محلهم. لقد أثبت الذكاء الاصطناعي كفاءته الاستثنائية في كتابة الرموز الكمبيوترية - وأحياناً أكثر من توليد النصوص - ما يجعل كثيراً من أدوار البرمجة على مستوى المبتدئين زائدة عن الحاجة.
وتشير دراسة حديثة لمركز «بيو» إلى أن الأميركيين يعتقدون أن مهندسي البرمجيات من بين الأكثر تعرضاً للتهديد من الذكاء الاصطناعي التوليدي.
أمثلة على محنة واقعية
تسلط القصص الشخصية وراء هذه الاتجاهات الضوء على خطورة الوضع. يجسد كريس غروب، طالب الدكتوراه المتخصص في الذكاء الاصطناعي بجامعة تينيسي، محنة كثيرٍ من الخريجين الجدد والقادمين. على الرغم من المؤهلات والخبرة الرائعة في التقنيات نفسها التي تغذي ثورة الذكاء الاصطناعي، فقد كافح غروب دون جدوى لأشهر عدة لتأمين وظيفة. إلا أن السوق صعبة للغاية لدرجة أن أقرانه اضطروا إلى التقدم لمئات الوظائف للحصول على عرض واحد، أو أخذوا بالتفكير في ترك المجال تماماً للعمل في مجال غير ذي صلة، مثل أن يصبحوا متدربين كهربائيين.
انخفاض التوظيف في علوم الكمبيوتر والرياضيات
وتكشف بيانات التوظيف الوطنية عن أنه في حين أن الوظائف المتاحة للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 22 و27 عاماً في معظم المجالات قد نمت بشكل طفيف على مدى السنوات الثلاث الماضية، إلا أن التوظيف في علوم الكمبيوتر والرياضيات لهذه الفئة العمرية قد انخفض بنسبة 8 في المائة. وحتى خريجي جامعة ستانفورد وجامعة كاليفورنيا في بيركلي وجامعة كارنيجي ميلون - الذين كانت شركات عملاقة مثل «غوغل» و«أمازون» تتودد إليهم في السابق - يجدون الآن صعوبة أكبر في الحصول على وظائف في مجال التكنولوجيا.
الذكاء الاصطناعي يكتب الآن 25 % من رموز البرمجيات
يعترف المسؤولون التنفيذيون في الصناعة أنفسهم بالمشهد المتغير. على سبيل المثال، صرح قادة في «ألفابت» و«مايكروسوفت» أن الذكاء الاصطناعي يكتب الآن أو يساعد في كتابة ما يصل إلى 25 في المائة من الرموز الكمبيوترية. وقد قامت مايكروسوفت أخيراً بتسريح 6000 موظف، كما نقلت شركات تقنية أخرى العمل بالمثل من المهندسين المبتدئين إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي أو كبار الموظفين؛ ما أثار مخاوف من اختفاء مستوى المبتدئين بالكامل في غضون بضع سنوات. ويحذّر بعض الخبراء من أن هذا الاتجاه ليس مجرد مشكلة تقنية، بل هو نذير لجميع المهن المكتبية المعرضة للأتمتة في أدنى المستويات.
ومع ذلك، لا يزال دور الذكاء الاصطناعي في دفع هذه التغييرات محل نقاش، فلطالما كان قطاع التكنولوجيا دورياً، متقلباً بين الازدهار والكساد. ويجادل بعض الباحثين والمحللين بأن عوامل الاقتصاد الكلي مثل ارتفاع أسعار الفائدة وعدم اليقين في السوق والمحافظة المؤسسية مسؤولة بقدر ما هي مسؤولة عن الاضطراب التكنولوجي.