الرئيسية - عربي ودولي - انطلاق قمة نيس للمحيطات سعياً للحفاظ على التنوع البيولوجي في العالم

انطلاق قمة نيس للمحيطات سعياً للحفاظ على التنوع البيولوجي في العالم

الساعة 01:59 صباحاً (هنا عدن/ متابعات )

انطلقت في مدينة نيس الفرنسية امس الاثنين، القمة العالمية لحماية المحيطات التي يتوقع أن تتخللها دعوات للحفاظ على التنوع البيولوجي، وتعزيز حجم المحميات البحرية في العالم، ومنع الصيد بشباك الجر التي تجرف قاع البحار.


ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تستضيف بلاده القمة، إلى «حشد» الصفوف والجهود، مؤكداً أن «الأرض تشهد احتراراً أما المحيطات فتشهد غلياناً». ورأى أن «الرد الأول على ذلك يكون متعدد الأطراف. والمناخ كما التنوع البيولوجي ليس مسألة رأي، بل مسألة وقائع مثبتة علمياً».



ورغم أن الولايات المتحدة تتمتع بأوسع منطقة بحرية خالصة تبلغ مساحتها 11.351 مليون كيلومتر مربع، فإنها الغائب الأكبر عن هذه القمة التي دعت إليها الأمم المتحدة، ويحضرها 61 رئيس دولة وحكومة، و70 بعثة وزارية (أي نحو 130 دولة مشارِكة)، يضاف إليهم آلاف من الأشخاص من كل أنحاء العالم يمثلون المنظمات الدولية، والمعاهد العلمية، وجمعيات المجتمع المدني. والأمر اللافت أن القمة تلتئم في مدينة مطلة على البحر المتوسط الأكثر تلوثاً في العالم.


قرع أجراس الإنذار
ويندرج غياب الولايات المتحدة على المستوى الفيدرالي في إطار مقاطعة إدارة الرئيس دونالد ترمب للمنظمات والمؤسسات الدولية متعددة الأطراف. وثمة مفارقتان: الأولى أن أولى قمم حماية المحيطات استضافتها نيويورك؛ حيث لعب جون كيري، وزير الخارجية الأميركي وقتها دوراً محورياً في إنجاحها. كذلك أرسلت واشنطن وفداً مثَّلها في لشبونة. والمفارقة الثانية أنه، بعكس الغياب الحكومي الفيدرالي، فإن بعض الولايات الأميركية مثل كاليفورنيا حاضرة في نيس، ما يعكس حالة من الطلاق بين العاصمة واشنطن، وعدد من الولايات بخصوص كيفية التعاطي مع الملفات المناخية، ومنها حماية المحيطات.

ومع كل قمة، تُقرَع أجراس الإنذار التي تُحذِّر من المخاطر المحيقة بالمحيطات، ويعاد التذكير بما تمثله بحيث إنها تغطي 71 في المائة من كوكب الأرض، وتغذي ما لا يقل عن 3 مليارات إنسان، وتستبطن 90 في المائة من احتياطات النفط والغاز، و84 في المائة من المعادن النادرة، في حين يعيش 60 في المائة من سكان العالم على شواطئها أو على مسافة لا تزيد على 20 كيلومتراً. وإذا كان العالم يلهث وراء الطاقة المتجددة، فإن المحيطات التي تمر بها 90 في المائة من البضائع المنقولة، تعدّ مصدراً لا ينضب لهذه الطاقة. والأهم من ذلك أن المحيطات تعدّ المنظّم الأول للمناخ وأكبر خزّان للتنوع البيولوجي. فهي تنتج 70 في المائة من الأكسجين، وتمتص 90 في المائة من الحرارة، و26 في المائة من انبعاثات الكربون الناتجة عن الأنشطة البشرية. كما أنها تُعدُّ ملاذاً لما بين مليون و3 ملايين نوع من الكائنات التي تعيش في أعماقها السحيقة. وبالتالي، فإن مصير البشرية يعتمد إلى حدٍّ كبير على المحيطات. وباختصار، فإن المحيطات تُشكِّل تحدياً حيوياً للأمن الاقتصادي والغذائي والرقمي والطاقي، وفضاءً لتحقيق أطماع القوى الكبرى مثل الصين (في بحر الصين الجنوبي) أو الولايات المتحدة (الطامعة في إقليم غرينلاند الدنماركي) وروسيا الساعية للهيمنة على القطب المتجمد الشمالي.


طموحات القمة
تبدو طموحات المؤتمرين في نيس كبيرة، وهم يعملون على إعداد «خطة عمل» ستذاع يوم الجمعة المقبل، مع نهاية القمة. بيد أن نقطة الضعف الأولى، التي تعاني منها، تكمن في أن ما يصدر عنها لا يتعدى كونه «توصيات» غير ملزمة، وبالتالي فإن العمل بها رهن لإرادة كل دولة معنية. وفي أي حال، فإن أهداف القمة المعلنة تكمن في إعطاء المفاوضات الجارية بشأن المحيطات زخماً، ودفع المجتمع الدولي إلى احترام وتطبيق الأهداف المعروفة لجهة حماية البيئة البحرية من التهديدات الجدية التي تتعرَّض لها. وثمة 3 مسائل رئيسية تفرض نفسها بقوة على المؤتمرين وهي: التعدين في أعماق البحار، ومسائل الملاحة البحرية، والتلوث البلاستيكي. واستعجل الرئيس الفرنسي الذي يرأس المؤتمر بالتشارك مع رئيس كوستاريكا، في كلمته الافتتاحية إلى تأكيد أن «معاهدة أعالي البحار» التي اعتُمدت في القمة الثانية عام 2023 سوف تدخل التنفيذ الفعلي لأن عدد الدول التي صدَّقت عليها سيتخطى الـ60، وهو العتبة الضرورية لتصبح فاعلة بعد 120 يوماً بفضل التعهدات التي أعطيت. وتهدف الاتفاقية إلى الارتقاء بالمحميات التي تحافظ على التنوع البيولوجي، والتي تقل مساحتها راهناً عن 9 في المائة. وحدَّد المجتمع الدولي هدفاً يتمثل بحماية 30 في المائة من البحار والمحيطات. بيد أن مواصلة العمل وفق الوتيرة الراهنة، تعني أن الهدف المعلن لن يتحقَّق قبل 2107 بحسب منظمة «غرينبيس» المدافعة عن البيئة.

لكن «التزامات نيس» ستسمح بالوصول إلى نسبة 10 في المائة. وفي هذا الإطار بادرت جزر ساموا إلى استحداث 9 محميات بحرية جديدة يحظر فيها صيد الأسماك، وتغطي 30 في المائة من مياهها الوطنية، على مساحة 36 ألف كيلومتر مربع. وكان مرتقباً أن تعلن الحكومة البريطانية نيتها منع الصيد بشباك الجر في 41 منطقة محمية تمتد على 30 ألف كيلومتر مربع. وسيمنع هذا النشاط في نصف هذه المناطق البحرية المحمية البريطانية عند تنفيذ القرار.


ماكرون ينتقد ترمب
ولم يتردد ماكرون، في كلمته، في توجيه النقد المبطن للرئيس الأميركي بقوله إن «أعماق البحار ليست للبيع، ولا غرينلاند للبيع، ولا القارة القطبية الجنوبية ولا أعالي البحار للبيع». وجاء ذلك بينما يتأهب للقيام بزيارة رسمية يوم 15 من الشهر الحالي للجزيرة الدنماركية بدعوة من حكومتها ومن حكومة كوبنهاغن؛ لتوفير الدعم السياسي لها. كذلك حثَّ ماكرون على فرض وقف مؤقت لاستغلال أعماق أعالي البحار التي لا تعود ملكيتها لأي طرف في العالم. ولا يمكن فهم كلام ماكرون دون الإشارة إلى أن ترمب قرر أحادياً إطلاق التعدين في المياه الدولية للمحيط الهادئ دون التشاور مع أحد ما يُشكِّل دوساً على الاتفاقية المُشار إليها.

وإزاء التحديات الكبرى، دعا ماكرون إلى «حشد» الصفوف والجهود، مؤكداً أن «الأرض تشهد احتراراً، أما المحيطات فتشهد غليانا». ووفق كلامه، فإن المبادرات الفردية لا تكفي، والحل يجب أن يكون متعدد الأطراف. وفي أي حال، عبَّر عن تفاؤله بالمستقبل نظراً للحضور الكثيف الذي تشهده القمة. وما قاله يتناغم مع الكلمة التي ألقاها أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي حذَّر من سلوك شريعة الغاب فيما خص أعماق البحار بإعلانه أنه «لا يمكن أن تصبح أعماق البحار غرباً مشتعلاً (...). آمل أن نتمكَّن من تصحيح الوضع، وأن نتمكَّن من استبدال الحماية بالنهب». وإذ ذكّر بأن «المحيطات هي أكبر مورد مشترك، لكننا مقصرون تجاهها»، مشيراً إلى انهيار المخزون السمكي وارتفاع منسوب مياه البحار، وزيادة حموضة مياه المحيطات، فقد حذَّر من أن النشاط البشري يدمِّر النظم البيئية للمحيطات، مشيراً إلى أن الصيد الجائر، والتلوث البلاستيكي، وارتفاع درجة حرارة مياه البحار، تهدد النظم البيئية الحساسة، والأشخاص الذين يعتمدون عليها.