بعد نصف عام من وصول فيروس كورونا المستجد الولايات المتحدة، لا يُعرف بعد كيف ولا متى سيتم التعافي من الآثار الاقتصادية للجائحة، في ظل ظهور تبعات غير متوقعة بصورة يومية في قطاعات لا تدخل في حسابات الكثيرين.
وتسبب هذا الوباء في إغلاق اقتصادي شبه تام مما أدى إلى إصابة أميركا بأكبر ركود اقتصادي عرفته في تاريخها، نتج عنه تدهور اقتصادي غير مسبوق في كل القطاعات.
وبعد 6 أشهر من الجائحة، ومع وفاة أكثر من 190 ألف أميركي وإصابة أكثر من 6.5 ملايين آخرين، يشق اقتصاد أميركا طريقه الصعب للخروج من النفق المظلم رغم استمرار فقدان مليون وظيفة كل أسبوع. في الوقت ذاته، لا يعرف أحد يقينا ماذا يعني كل ما سبق بالنسبة للانتخابات الرئاسية المقررة في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
لا يزال الاقتصاد في موقف هش، ويرى بعض الاقتصاديين أن الكثير من القطاعات لن تتعافى لسنوات، ومن المتوقع أن تصبح العديد من فرص العمل التي فقدتها بعض القطاعات مثل السياحة والضيافة وعمال المتاجر ضائعة بلا عودة.
كما اتجه الكثير من الأميركيين للاعتماد على التسوق عبر الإنترنت، وعبّر الكثير منهم عن عدم الرغبة في التسرع في ركوب طائرات أو الاقامة بفنادق.
ومن الآثار الاقتصادية غير المرئية -على سبيل المثال- ما يتعلق بمرافق المواصلات العامة في مختلف الولايات.
وتكبد مترو أنفاق مدينة نيويورك -قلب الاقتصاد الأميركي- خسائر تاريخية بسبب عدم استخدامه من قبل سكان المدينة إلا بنسب تقل عن 15% خلال الأشهر الماضية، وهو ما يتسبب في خسائر أسبوعية تقدر بـ 200 مليون دولار.
ورغم استعادة الاقتصاد الأميركي ما مقداره 45% من الوظائف التي فقدها خلال فترة هذا الوباء والبالغ عددها 23 مليون وظيفة، فإن نسب البطالة مازالت أكبر بكثير مما كانت عليه قبل الجائحة.
اعلان
وأعلنت وزارة العمل في 4 سبتمبر/أيلول الحالي تراجع نسبة العاطلين إلى مستوى 8.4% أي ما يقرب من 16 مليون عاطل بنهاية أغسطس/آب الماضي بعد أن كانت 10.2% في يوليو/تموز المنصرم، وأضافت أنه تم توظيف 1.37 مليون شخص خلال أغسطس/آب.
وربما يمثل تراجع نسبة البطالة إلى أقل من 10% للمرة الأولى، منذ تفشي جائحة كورونا في مارس/آذار الماضي، خبرا سعيدا لحملة إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب.
جدير بالذكر أن نسبة البطالة -قبل تفشي جائحة كورونا- لم تتجاوز 3.5%، وهي أدنى نسبة شهدتها الولايات المتحدة خلال نصف قرن.
وأعتبر شريف عثمان، المحلل الاقتصادي والمالي بمؤسسة واشنطن آناليتيكا في حديث مع الجزيرة نت أن "الاقتصاد يزحف في طريقه للخروج من حفرة عميقة، وهناك مخاطرة بسبب الاستقطاب السياسي حيث لم يتم الاتفاق بعد على حزمة الدعم الاقتصادي الثانية والضرورية".
وكان الكونغرس قد توصل -مع البيت الأبيض- لاتفاق إنقاذ مالي قيمته 3.4 تريليونات دولار خلال مايو/أيار الماضي، تضمن حزمة مساعدات كبيرة للشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة.
ومنح المواطنون -ممن يقل دخلهم السنوي عن 99 ألف دولار للفرد أو 150 ألفا للأسرة- إعانات مالية قدرت بـ 1200 دولار للشخص، إضافة إلى 500 دولار لكل طفل.
وقدمت كذلك إعانات بطالة قدرت بـ 600 دولار أسبوعيا امتدت لشهور حتى نهاية يوليو/تموز الماضي.
اعلان
ويجري قادة الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بالتعاون مع البيت الأبيض، مناقشات حول حزمة دعم ثانية، وسط إلقاء كل طرف اللوم على الطرف الآخر.
اقتصاد كورونا والانتخابات
وخلال سنوات حكم ترامب، عرفت أسواق الأسهم الأميركية ارتفاعات تاريخية لم يسبق الوصول إليها، كما عرفت انخفاضات في نسبة البطالة استقرت عند 3.5%.
من هنا بدأ ترامب حملته الانتخابية نهاية العام الماضي معتمدا على حجة الاقتصاد القوية لإعادة انتخابه، لكن جائحة كورونا -التي أدت إلى ركود اقتصادي غير مسبوق- أطاحت بكل ثوابت حملة الرئيس الانتخابية في مرحلتها الأولى.
ويتقدم المرشح جو بايدن في العديد من استطلاعات الرأي على ترامب بصفة عامة، إلا أن الأخير لا زال متقدما من حيث معدل ثقة الناخبين في التعامل مع القضايا والتعافي الاقتصادي.
وأشار استطلاع للرأي، أجرته شبكة "سي إن إن" (CNN) بين 28 أغسطس/آب الماضي إلى الأول من الشهر الجاري، على 997 ناخبا- إلى ثقة 49% منهم في ترامب مقابل 48% لصالح منافسه من حيث القدرة على معالجة الاقتصاد.
لكن المرشح الديمقراطي تفوق في نفس الاستطلاع من حيث معيار ثقة الناخبين في التعامل مع تحديات فيروس كورونا، إذ دعم بايدن 53% من الناخبين مقابل 41% لترامب.
واتهم بايدن الرئيسَ بسوء الأداء في مواجهة جائحة كورونا، وقال "إنه لا يمكن التعافي اقتصاديا قبل القضاء أولا على فيروس كورونا".
قبل سنوات خرجت صيحة وشعار "إنه الاقتصاد يا غبي" واليوم يرى البعض أن هذا الشعار أصبح مطعّما بفيروس كورونا، إذ أصبحت المعادلة الأهم تقول "إنه اقتصاد كورونا يا غبي".
وقبل شهرين من الانتخابات الرئاسية، تتعرض أميركا لاختبار كبير خاصة مع توقف البيت الأبيض عن محاولة احتواء فيروس كورونا، والتحول بدلا من ذلك إلى محاولة الدفع للشعور بعودة الحياة الطبيعية، والدعوة لإعادة فتح الاقتصاد وعودة التلاميذ للمدارس، وهو ما قد تكون له تبعات كارثية على حظوظ ترامب الانتخابية إذا ما عادت نسب الإصابة أو الوفاة بالفيروس إلى الارتفاع مرة أخرى.