2025/12/16
كيف ربطت الإمارات المرتزقة بساحات القتل في السودان؟

وجهت العقوبات الأمريكية المفروضة على شبكة المرتزقة الكولومبية ضربة مباشرة لأجندة الإمارات الإقليمية، وعرت جانبًا من الدور الخفي الذي لعبته أبوظبي في تغذية واحدة من أكثر الحروب دموية وفوضوية في المنطقة.

وشكلت العقوبات الأمريكية خطوة سياسية تستند إلى تراكم أدلة ومؤشرات على تورّط شبكات عابرة للحدود، ما كان لها أن تعمل لولا غطاء لوجستي ومالي قادم من داخل الإمارات.

وتشير المعطيات المتداولة في الدوائر الأمريكية والأممية إلى أن شبكة التجنيد التي استهدفت مقاتلين كولومبيين للعمل إلى جانب قوات الدعم السريع في السودان لم تنشأ في فراغ، بل اعتمدت على قنوات توظيف ونقل وتمويل مرتبطة بشركات أمنية خاصة تتخذ من الإمارات مقرًا أو نقطة ارتكاز.

فقد لعبت هذه الشركات، التي يديرها ضباط متقاعدون ومتعاقدون أمنيون راكموا خبراتهم في حروب أمريكا اللاتينية، دور الوسيط بين ساحات القتال السودانية وسوق المرتزقة العالمي، محولة الحرب إلى سلعة والاستقرار إلى ضحية.

والأخطر في هذا الملف أن أدوار المرتزقة لم تقتصر على القتال التقليدي، بل امتدت إلى تشغيل الطائرات المسيّرة، وتقديم تدريبات عسكرية شملت – وفق شهادات وتقارير موثقة – أطفالًا ومجندين قسرًا.

كما شارك هؤلاء في معارك كبرى شهدتها الخرطوم وأم درمان وكردفان والفاشر، وهي مناطق ارتبط اسمها بمجازر وانتهاكات واسعة جرى توثيقها بالصوت والصورة، بل وحتى عبر صور الأقمار الصناعية التي دعمت تقارير المنظمات الدولية.

وتكشف الوثائق المسرّبة أن حركة المرتزقة والسلاح اتبعت مسارات معقدة لكنها مكشوفة، تبدأ من مراكز تجنيد في أمريكا اللاتينية، مرورًا بنقاط عبور في بنما وليبيا، ثم عبر بنغازي والكفرة وصولًا إلى دارفور.

فيما سلكت مسارات أخرى طريق بوصاصو في الصومال، ثم تشاد، قبل الدخول إلى الأراضي السودانية في وقت لم تكن هذه الشبكات لتنجح دون بنية لوجستية متقدمة، وطائرات وشركات شحن وغطاء قانوني، وهي عناصر تشير تقارير أممية إلى ارتباط بعضها بجهات إماراتية.

وقد شكلت حادثة إسقاط طائرة محمّلة بعشرات المرتزقة والمعدات العسكرية، والتي نسبت إلى القوات السودانية، نقطة مفصلية في هذا السياق.

فوفق إفادات أممية، كانت الطائرة مرتبطة بشبكات لوجستية خضعت لاحقًا للتدقيق، ما عزز الشبهات حول دور إماراتي في تسهيل النقل الجوي وتجاوز الرقابة الدولية.

ودفعت هذه الوقائع واشنطن إلى توسيع نطاق عقوباتها، لتشمل شركات وأفرادًا خارج كولومبيا، في رسالة واضحة بأن زمن التسامح مع “خصخصة الحروب” يقترب من نهايته.

وتجمع التقارير الدولية على أن ما يجري في السودان تحول إلى اقتصاد حرب إقليمي، تُدار فيه المعارك عبر شبكات مرتزقة وسلاح عابرة للحدود، تستفيد من انهيار الدولة وغياب المحاسبة.

وفي قلب هذا الاقتصاد تقف قوى إقليمية، تتهمها تقارير متزايدة باستخدام أدوات غير رسمية – من شركات أمنية ومرتزقة – لتحقيق نفوذ سياسي وعسكري دون تحمّل كلفة التدخل المباشر.

وعليه فإن العقوبات الأمريكية، في هذا السياق، تحمل دلالات أوسع من مجرد معاقبة شبكة تجنيد إلى إشارة لبداية عزل سياسي متدرج لأبوظبي، مع تزايد الضغوط الدولية بعد توثيق دورها المحتمل في تأمين خطوط الإمداد لقوات الدعم السريع.

كما تضع الإمارات أمام أسئلة محرجة حول خطابها المعلن عن الاستقرار ومحاربة التطرف، في مقابل ممارسات على الأرض تسهم في إطالة أمد الحرب وتعميق الكارثة الإنسانية في السودان.

وفي المحصلة، تكشف هذه التطورات أن سياسة الإمارات القائمة على إدارة الصراعات عبر الوكلاء والمرتزقة باتت عبئًا سياسيًا وأخلاقيًا.

ومع اتساع دائرة التدقيق الدولي، يبدو أن أجندة أبوظبي الإقليمية تواجه اختبارًا صعبًا، قد يفرض عليها مراجعة حساباتها، أو مواجهة مزيد من العزلة والعقوبات في مرحلة لم يعد فيها الإفلات من المحاسبة خيارًا مضمونًا.

تم طباعة هذه الخبر من موقع هنا عدن https://www.huna-aden.com - رابط الخبر: https://www.huna-aden.com/news87403.html