
هنا عدن | مقالات
سيف الحاضري
مستشار صحفي ورئيس تحرير |
تعيش محافظة حضرموت اليوم حالة بالغة الحساسية، تتقاطع فيها التعقيدات الأمنية مع التوازنات السياسية، في وقت يصعب فيه تجاهل الدور السعودي بوصفه الطرف الأكثر تأثيرًا على مسار القرار السياسي والعسكري في مناطق الشرعية، وهو ما يحمّلها مسؤولية مباشرة في احتواء التوترات ومنع انزلاق المحافظة نحو مواجهات مفتوحة.
فما يجري على الأرض لا يمكن فصله عن طبيعة هذا التأثير السعودي، إذ من الصعب تصور حدوث تحركات عسكرية واسعة أو تغييرات جوهرية في ميزان القوى دون وجود موافقة أو قبول ضمني من قبل الجهات المهيمنة والتي تمسك بمفاصل القرار.shape3
ومن هنا يبرز تساؤل مشروع حول أسباب دفع حضرموت إلى هذا المنعطف الحرج، بدلًا من تبني مسارات أكثر توازنًا تحافظ على استقرار المحافظة وتحصّنها من الانقسام والصدام.
أما الحديث المتداول حول وجود صراع سعودي – إماراتي، فيبدو أقل دقة إذا ما قُرئ المشهد بعمق، إذ تشير الوقائع إلى تقاطع أدوار أكثر منه تناقضًا، وهو ما يعيد إلى الأذهان السيناريو ذاته الذي شهدته عدن ثم أبين وشبوة، حيث جرت تغييرات عميقة في المشهدين السياسي والأمني دون معالجة جذرية لآثارها.
إن الشرعية اليمنية، بمؤسساتها وسلطاتها المختلفة، تعمل في إطار هامش محدود من الاستقلالية، ما يجعل الطرف الداعم مطالبًا بممارسة دوره بطريقة تضمن عدم زعزعة ما تبقى من الاستقرار، خصوصًا في ظل الانهيار الاقتصادي المتفاقم وتدهور الأوضاع المعيشية.
وفي هذا السياق، فإن تعدد القوى المحلية في حضرموت، سواء كانت سياسية أو قبلية أو عسكرية، يخضع بدرجة أو بأخرى لتوازنات إقليمية، وهو ما يفرض ضرورة إدارة هذا التعدد بحكمة تحول دون تحوله إلى صراع مفتوح يدفع ثمنه المواطن ومؤسسات الدولة معًا.
أما مجلس القيادة الرئاسي، فيظل الطرف المنوط به دستوريًا التعبير عن موقف واضح وصريح تجاه ما يجري، والانتقال من موقع المتابع الصامت إلى موقع الفاعل المسؤول، حفاظًا على هيبة الدولة وعلى وحدة القرار السيادي.
إن استمرار التوتر دون معالجات سياسية جادة لا يصب إلا في مصلحة قوى الأمر الواقع، وفي مقدمتها مليشيات الحوثي، التي تستفيد من أي حالة انقسام أو اضطراب في صف القوى المناهضة لها.
وفي المحصلة النهائية، فإن ما يجري اليوم في حضرموت، وما يرافقه من توتر واستقطاب وتغذية لمسارات الصدام، لا يمكن فصله عن نتائجه الاستراتيجية الخطيرة، إذ يصب – بشكل مباشر أو غير مباشر – في خدمة المشروع الإيراني ومليشياته الحوثية، التي تجد في حالة التمزق والتنازع داخل معسكر الشرعية فرصة لتعزيز نفوذها وترسيخ حضورها وتقويض ما تبقى من فكرة الدولة اليمنية الواحدة.
إن استمرار هذا النهج، القائم على إدارة الأزمات بدل حلّها، وفتح جبهات داخلية بدل توحيد الصف الوطني، لا يؤدي إلا إلى إضعاف الجبهة الجمهورية وتسهيل مهمة القوى التي تتغذى على الفوضى والانقسام، وهو ما يستوجب مراجعة جادة للمسار الحالي، والانطلاق نحو مقاربة وطنية مسؤولة تعيد الاعتبار للأولوية الكبرى: استعادة الدولة وإنهاء مشروع المليشيا، لا استنزاف الداخل في صراعات عبثية تخدم الخصم وتخذل الوطن.