هنا عدن | متابعات
بعد أيام قليلة من إصدار عيدروس الزبيدي قرارات تعيين في مواقع حكومية خارج الصلاحيات الممنوحة له كعضو في مجلس القيادة، تتالت المواقف المؤيدة والمعترضة فيما التزم أبو زرعة المحرمي وفرج البحسني عضوا المجلس المحسوبان على الانتقالي الصمت، وهو الصمت الذي بقي محل تساؤل كثيرين.
مساء الثلاثاء تتالت التصريحات بشكل متزامن من قيادات المجلس الانتقالي، وبات الموقف أكثر وضوحاً بعد أن صبت التصريحات كلها في اتجاه واحد وهو الهجوم على رئيس مجلس القيادة الدكتور رشاد العليمي، واتهامه بالانفراد بالقرار وعدم توزيع الصلاحيات والمهام بين أعضاء المجلس وفقاً للمسؤولية الجماعية التي نص عليها إعلان نقل السلطة.
وفي تصريح له قال فرج البحسني إنه "منذ تأسيس مجلس القيادة الرئاسي كان إقرار لائحة عمل تنظم مهامه أولوية عاجلة، لكن ما برز هو تهرّب واضح من إشراك كافة الأعضاء، فتحوّل المسار إلى تسويف ومماطلة لازمت عمل المجلس طوال السنوات الماضية، وخلّفت فراغاً أدارته قوى خفية وفق مصالحها".
وشدد في منشور له على منصة "إكس" البحسني على أن "المسؤولية اليوم تاريخية تقع على عاتق التحالف وقيادة المجلس والقوى السياسية"، مضيفاً: "لا مجال للمجاملات ولا التبريرات. المطلوب تشخيص شجاع يعيد تصحيح المسار، وإقرار لائحة واضحة تُلزم الجميع بتوزيع المهام والصلاحيات، فلا يُعقل أن تُدار المحافظات المحررة من مركزٍ معزول عن واقعها".
وتابع البحسني، الذي يشغل أيضاً موقع نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، بالقول: "إن الإصغاء لنبض الشارع لم يعد خيارًا بل واجباً، وإعطاء كل عضو تكليفاً مباشراً ومسؤولية محددة هو الطريق الوحيد لتحسين الأداء واستعادة الثقة، وإلا فإن التاريخ لن يرحم المتقاعسين عن واجبهم الوطني".
وعقب ذلك خرج المحرمي في أول منشور له على صفحته بـ"فيسبوك" منذ شهر وقال المحرمي (أبو زرعة) إنه "لا يخفى على أحد أن القرارات الفردية التي اتُّخذت خلال السنوات الماضية كانت سبباً رئيسياً في الانقسام داخل مجلس القيادة الرئاسي".
وأضاف: "لقد كان وما زال موقفنا راسخاً: أن الانفراد في اتخاذ القرارات لا يخدم العمل المؤسسي إطلاقاً"، مشيراً إلى أن "عدم الالتزام بالتفويض في قرار نقل السلطة بكامل صلاحيات رئيس الجمهورية لمجلس القيادة الرئاسي (المشكل من الثمانية) وفق مبدأ المسؤولية الجماعية قد يعيق التقدم السياسي، ويؤثر على العملية الانتقالية وتحقيق الاستقرار المنشود في البلاد.
إضافة إلى ذلك، يؤدي إلى تدهور الثقة بين الأعضاء"، مؤكداً أن "هذا الأمر يعرقل جهود توحيد الصفوف وبناء المؤسسات الوطنية".
وتابع: "علاوة على ذلك، سيؤثر ذلك سلباً على آمال الشعب في مستقبل مستقر ومزدهر. لذا، من الضروري الالتزام الصارم ببنود التفويض والمسؤولية الجماعية في اتخاذ القرار لضمان سير العملية السياسية بسلاسة وأمان".
وبينهما تصريح لرئيس هيئة التشاور والمصالحة القيادي أيضاً في المجلس الانتقالي محمد الغيثي قال فيه إن "التحديات الراهنة التي يواجهها مجلس القيادة الرئاسي تستدعي حواراً جاداً يفضي إلى آلية تشاركية فاعلة لصناعة القرار، تنهي وتضع حداً لحالة الجمود والمراوحة".
وأضاف أن "هيئة التشاور والمصالحة بذلت جهوداً كبيرة في عدد من القضايا، وتتحرك رئاستها اليوم سعياً لتعزيز التماسك وتحقيق مقاربة جادة تبدأ بالاتفاق على آلية لصناعة القرار بالمجلس، وتحريك الملفات التي تحتاج إلى حوار وحل".
وتابع: "أدعو في هذا الصدد إلى حوار مباشر وصادق يضع المصلحة العليا للبلاد فوق كل اعتبار".
بدوره ذكر أنيس الشرفي، رئيس الهيئة السياسية للمجلس الانتقالي، أنه "لم تعد الصراعات داخل مجلس القيادة مجرد خلاف سياسي يمكن تجاهله أو التغاضي عنه، بل غدت تمثل أزمة مؤسسية بنيوية عميقة تهدد بانهيار مجلس القيادة الرئاسي إن لم يتم تدارك الانهيار بالعمل على الحوار والتوافق على تنفيذ عملية إصلاح جذري تستوعب حقائق الماضي وأولويات الحاضر ومتطلبات المستقبل".
وأضاف: "نجدد الدعوة إلى ضرورة فتح حوار جاد وحاسم يسهم في معالجة جذور الصراع، وليس لمجرد إنتاج حلول مؤقتة تساهم في إدارة وترحيل الأزمات دون حلها".
ويرجح متابعون لـ"المصدر أونلاين" أن توحيد خطاب ممثلي المجلس الإنتقالي على مهاجمة رئيس المجلس جاءت بعد لقاءات عقدت خلال الأيام الفائتة في العاصمة الإماراتية وأنها تدشين لمرحلة قادمة من تصعيد الإنتقالي الذي يعمل على تكريس الإنفصال على الأرض ويعلن بشكل متكرر أن الحل يكمن في مايسميه سيطرة "شعب الجنوب" على أرضه وضمناً يقصد المجلس الإنتقالي باعتباره ممثل حصري له بدعم وإسناد كامل من أبو ظبي.
وكان لافتاً دعوة بعض نشطاء وإعلاميي الانتقالي إلى ما وصفوه بـ"حوار جاد"، متجاهلين الحوارات السابقة التي أُنشئت منذ سيطرة الانتقالي على محافظات جنوب اليمن، والتي لم تُطبق بنودها حتى اليوم، مثل اتفاق الرياض 1 و2.
ومن بين التجاوزات التي برزت: إصدار قرارات أحادية خارج الصلاحيات، ورفض انعقاد مجلس النواب ولجانه المخصصة لمراقبة الفساد.
وأصدر عيدروس الزبيدي الأسبوع الماضي قرارات تعيين في مواقع حكومية متجاوزاً صلاحيات رئيس المجلس، وعمل على فرض هذه التعيينات في اليوم التالي بقوة الأمر الواقع بحكم سيطرة القوات التابعة له على مدينة عدن وكل المرافق الحكومية فيها.
وقبلها أصدر المجلس الانتقالي بياناً هاجم فيه ما قال إنها "ممارسات مرفوضة"، بينها عرقلة صرف مرتبات الموظفين المدنيين والعسكريين، وتمكين قوى أخرى على حسابه، وتعطيل تنفيذ اتفاق الرياض 2019 ومشاورات الرياض 2022، وذلك بعد ساعات من وصول رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، مع عضوي المجلس سلطان العرادة وعبد الله العليمي، إلى العاصمة المؤقتة عدن.
وأكد الانتقالي في بيانه أن "الشراكة الحقيقية لا يمكن أن تقوم على التجاهل أو الانتقاص أو الإقصاء، وإنما على العدالة والالتزام بالحقوق غير القابلة للتجزئة".
وركّز البيان على محورين رئيسيين: الأول، مطالبة المجلس بأولوية تمكين "الكوادر الجنوبية" عبر قوائم تعيينات جديدة، في إشارة إلى مساعيه للسيطرة الكاملة على مؤسسات الدولة. والثاني، محاولات التملّص من الإصلاحات المالية التي تلزم المؤسسات الحكومية بتوريد إيراداتها إلى البنك المركزي في عدن وإغلاق الحسابات الخاصة خارجه، ملوّحًا بخطاب معارض من داخل السلطة نفسها عبر رفع مطالب صرف الرواتب.
وجاء تصعيد الانتقالي على المجلس الرئاسي والحكومة بعد شهر واحد من اتخاذ الحكومة سلسلة من الإصلاحات أدت إلى استعادة قيمة العملة الوطنية أكثر من 43% أمام العملات الصعبة، وقوبل ذلك بإشادات شعبية ومحلية ودولية.
هذه المواقف لقيادات الانتقالي تشكل تصاعداً دراماتيكياً للخلافات داخل المجلس وعدم تمكنه من العمل وفق آلية واضحة، وتنصب معظم الخلافات على قرارات التعيين في المواقع الحساسة، حيث يرى المجلس الانتقالي، كما يرشح في بياناته وتصريحات مسؤوليه ونشطاء تابعون له، أن من حقه التحكم في التعيينات وأن يكون هو صاحب القول الفصل كونه صاحب الأرض والممثل الحصري للجنوب، بينما بقية أعضاء المجلس هم ضيوف لا يشكلون ثقلاً حقيقياً كون مناطقهم خاضعة لسيطرة الحوثيين.
ومنذ ما قبل تعيين سالم بن بريك رئيساً للحكومة، كان الانتقالي يضع على طاولة رئيس مجلس القيادة قائمة من التعيينات في مناصب حكومية بين نواب وزراء ورؤساء هيئات ومؤسسات حكومية هامة، وبقرار واحد أصدر تعيين خمسة نواب وزراء في الوزارات التي لا يشغل الانتقالي منصب الوزير فيها، بالإضافة لمؤسسات مهمة مثل هيئة الأراضي وشركة النفط ومصافي عدن، إلا أن تلك التعيينات لم ترضِ الانتقالي بقدر ما شكلت مخدراً مؤقتاً لم يستمر مفعوله لمدة طويلة.
ومنذ تشكيل مجلس القيادة قبل 3 سنوات ونصف ونقل السلطة إليه بإشراف سعودي إماراتي، حاولت الرياض أكثر من مرة تقريب وجهات النظر بين أعضاء المجلس وضبط العلاقة بين الرئيس والأعضاء، إلا أن تلك الجهود سرعان ما تتبخر كل مرة تحت وطأة رغبة عارمة لدى قيادة المجلس الانتقالي في السيطرة على قرار مجلس القيادة كلياً وتحويل رئيسه إلى مجرد سكرتير للتوقيع على ما يُقدَّم له من قرارات.
المصدر اونلاين