2025/08/11
محمد التويجي ... "أنس الشريف… حين ارتقى الصوت وبقي الصدى والحقيقة"

رحل أنس الشريف… وغادر وحشة هذا العالم غير الشريف تاركا خلفه فراغا لا يملأ وجرحا لا يلتئم

 

الوجع اليوم أكبر من أن يُحمل والقهر أعمق من أن يُقال…

خبر استشهاد أنس الشريف، مراسل الجزيرة في غزة، سقط علينا كصخرة هشمت ما تبقى في قلوبنا من صبر.

 

كان لأنس حكاية في كل إطلالة على الشاشة ونبض في كل تغريدة يخطها على صفحته، وكنا ندرك بمرارة صامتة ان يوما سيأتي نحمل فيه الخبر الذي كنا نخشاه… خبر النهاية التي كتبتها أيادي القتلة وأبناء الكيان اللعين، باغتيال آخر رواة الحكاية… أنس الشريف.

 

اليوم، أسكتوا صوته، لكن صدى كلماته سيبقى أعلى من قصفهم، وصوره ستظل تلاحقهم في محكمة التاريخ.

كيف لا نشعر بالقهر، وقد فقدنا من كان ينقل أنين أطفال غزة، ومن كان يكتب ملامح مدينته في ذاكرة الإنسانية؟

 

رحل الصوت الذي حمل وجع غزة على كتفيه إلى أسماع العالم لعله يحرك فيها ضمائرهم وإنسانيتهم ، ارتقى ومعه صعد جزء من ضمير الإنسانية إلى السماء، تاركاً العالم أكثر صمتاً وأكثر قسوة.

 

كان أنس يدرك أن سترة الصحافة لن تحميه ولن تشفع له من عدو لا يرى في الوجوه إلا أهدافاً، وفي الأقلام تهديداً، عدو لا يفرّق بين براءة طفل وصوت صحفي،بين بريء وحامل قلم.

 

لم يكن أنس… مجرد صحفي او ناقل للخبر نراه على الشاشة، كان وجهاً يعرفه كل بيت، وصوتاً يدخل قلوبنا قبل آذاننا، وضميراً حياً ينقل وجع غزة للعالم بلا خوف ولا مجاملة.

كان عيناً لا تنغلق أمام وحشية القاتل، ولساناً للوجع الغزّاوي، ومرآة لدمعة أم مكلومة، وصرخة طفل مذعور، وحكاية بيت تهدم ولم يتهدم حلمه، كان ضميراً حياً يجلجل في وجه عالم غارق في الصمت مجرد من الضمير عارٍ من الإنسانية.

كنا نراه يمشي بين الركام بسترته الصحفية وكاميرته، يقترب من الخطر لا ليبحث عن بطولة، بل ليبحث عن الحقيقة… عن الصورة التي تكسر صمت العالم، والكلمة التي تفضح كذب ووحشية واجرام القتلة.

 

أنس الشريف… الاسم الذي صار مرادفاً للشجاعة ، رافض أن يغادر غزة لانه لم يكن يبحث عن النجاة، بل كان يبحث عن الحقيقة… تلك الحقيقة التي آمن أنها تستحق أن تُروى ولو كلفته حياته.

 

لم يساوم، لم يختبئ، ولم يرضَ أن يترك شعبه يواجه وحده قسوة العالم وصمته.

 

ظل يحمل عدسته كمن يحمل سلاحه الأخير، يطارد الدخان قبل أن يتلاشى، يوثق الدمار قبل أن يُمحى، يكتب بدمه على عدسة الكاميرا: "هنا غزة… هنا الحقيقة".

 

وحين حاصره الموت، لم يفر، بل ظل واقفاً في الميدان، يرسل صورا وكلمات تعرف أن الوصول قد يكون آخر ما يفعل.

 

ارتقى أنس، لكن صوره بقيت، وكلماته بقيت، وروحه بقيت تحلق فوق غزة وفوق كل مدن الوطن العربي كأذان الفجر الذي يبدد ليلها الطويل.

 

سلام عليك يا أنس… يوم رفضت أن تغادر، ويوم اخترت أن تموت واقفاً، ويوم صرت وجهاً للحقيقة التي لا تموت.

 

سلام عليك… يوم كنت الصوت، ويوم صرت الصدى.

 

سلام عليك ايها الشريف أنس… يوم كنت الحقيقة تمشي على قدميها ويوم رحلت جسداً، وبقيت وجهاً للحقيقة التي لا تُقتل، ويوم تظل ذكراك ناراً في وجداننا لا تنطفئ،وجرس إنذار يذكّرنا أن غزة تدفع دماءها كي نرى.

تم طباعة هذه الخبر من موقع هنا عدن https://www.huna-aden.com - رابط الخبر: https://www.huna-aden.com/news86404.html