2025/06/23
محلل سياسي: لايوجد دولة "عميقة"..بل ليس لدينا "دولة" من الاساس.. والذي يوجد هو "سلطات" طارئة حلت محل مؤسسات الدولة ومسنودة بمليشيات مسلحة

هنا عدن | خاص
محمد علي محسن
كاتب سياسي|

الحديث عن الدولة العميقة مجرد هذرة وثرثرة، إن لم نقل مسخرة وتضليلًا يُراد به الإفلات من المسؤولية والمحاسبة.  

ليس لدينا دولة كي نقبل بمثل هذا التوصيف؛ توجد سلطات مسنودة بمليشيات مسلحة.

 وعندما نقول "سلطات"، فلا يُفهم أنها سلطات دولة (كالقضاء والبرلمان والرئاسة والحكومة)، بل هي سلطات طارئة حلت محل سلطات دولة ما زالت في طور التأسيس والهامش .  

الدولة العميقة – يا هؤلاء – رأيناها في الدول الراسخة بمؤسساتها وبُنيتها الهيكلية والتنظيمية والأمنية والعسكرية؛ فحين وقعت ثورات ما سُمي بـ"الربيع العربي"، برز لأول مرة مفهوم الدولة العميقة في مصر وتونس . وكان وصفًا لحالة رافضة للتغيير السلمي الشعبي . 
قدَّر لهذه الثورات إزاحة رؤساء الدولة والحكومة ، إلا أن التغيير وُوجه بمقاومة مستميتة من بقايا المنتفعين بالنظام، وتجلَّى ذلك بمظاهر تمردٍ وممانعة حالت دون تمكين القوى الثورية الجديدة من إدارة الدولة.  

نعم، رأينا قادةً وقضاةً وإعلامًا ومالًا مناهضًا بضراوة، وحال دون تمكين القادة الجُدد من القيام بمسؤولياتهم. وهذا بالضبط ما قُصد بـ"الدولة العميقة" – طبعًا لسنا هنا بصدد ذكر دعم الأشقاء لرموزها ماليًّا وإعلاميًّا –.  

أما في الحالة اليمنية، فليس هناك دولة أصلاً؛ فجميع سلطاتها ورجالاتها في جيب الرئيس وقبيلته وأقاربه. وما حدث من تمردٍ  على الرئيس الخلف "هادي" كان خلفه اصطفافٌ قبليٌّ ونفعيٌّ، وليس مردُّه الدولة العميقة المفقودة في اليمن.  

والأمر في ليبيا: فكل مقاليد الدولة كانت في يد الزعيم أبي منيار ، ولهذا شهدت ليبيا حربًا أهلية بين فرقاء طامحين بوراثة تركة قائد الثورة، ولم تكن بسبب دولة عميقة غائبة .  
والشاهد على ذلك أنه بمجرد زوال رأس النظام وسدنته، سقطت الدولة الهشة، فلم يبقَ منها غير ترسانة أسلحةٍ في أيدي المتحاربين.  

ما حدث في صنعاء كان بسبب تحالف رأس النظام (العائلي القبلي) مع رأس السلالة الطائفية. والاثنان لا يُمكن القول إنهما بقايا دولة عميقة، بقدر ما هما فئتان لم تتقبَّلا فكرة خسارة السلطة بما تعنيه من هيمنةٍ ومكاسبَ ووجاهةٍ وسطوةٍ ونفوذٍ.  

وكذلك الحال الآن في عدن؛ فهناك تحالفٌ جهويٌّ مناطقيٌّ طامحٌ باستعادة الدولة الجنوبية، لكن وفق معايير هذا التحالف المسنود بمليشيات مسلحة غير نظامية، وغير مؤهلٍة لقبول فكرة السلطة الشرعية باعتبارها آخر ما بقي من رمزيةٍ للدولة اليمنية.  

الخلاصة: الحديث عن دولة عميقة في عدن – وفي اليمن عمومًا – لا يستقيم مطلقًا مع حقيقة أن الدولة في اليمن ما زالت غائبةً.  

المُؤسف أننا، وبعد عُقود نيفٍ وستةٍ على الثورتين، ما زلنا نروم دولةً قويةً راسخةً بمؤسساتها وقوانينها ودستورها، وقبل هذا كله، برضا غالبية اليمنيين المنهكين حتى اللحظة بصراعاتٍ وحلقات عنفٍ على السلطة.  
قبائل وعشائر وجهاتٌ وأسماءٌ وأنسابٌ وأتباعٌ، ما فتئت تخوض معارك ثأريةً انتقاميةً رغبةً في السلطة، وطمعًا بمصالح أنانية ضيقة، لا ترتقي أبدًا إلى مصاف الدولة والمصلحة الجمعية لليمنيين.  
 
 

تم طباعة هذه الخبر من موقع هنا عدن https://www.huna-aden.com - رابط الخبر: https://www.huna-aden.com/news85839.html