نسمع كثيرا عن "التعددية الثقافية" لكن ما معناها؟ ما المقصود بها؟ هذا ما نحاول أن نفهمه من خلال كتاب "التعددية الثقافية.. قصة قصيرة جدا" لـ علي راتانسي:
يقول الكتاب تحت عنوان :ما التعددية الثقافية؟
ربما يكون أوضح ما تتسم به النقاشات العامة حول التعددية الثقافية في الآونة الأخيرة هو الافتقار للوضوح فيما يتعلق بالمصطلحات الرئيسية المتصلة بها، فتعريف التعددية الثقافية تعريفًا مقبولًا كان دائمًا أمرًا صعب المنال، وظلت البدائل المقترحة مثل "الاندماج" مبهمة هي الأخرى بدورها؛ لذا فمن الأصوب البدء ببعض المقدمات التاريخية والاصطلاحية الموجزة التي ستعود إليها المناقشة في مواضع عدة من الكتاب.
التنوع الثقافي والتعددية الثقافية
ظهرت "التعددية الثقافية" في الخطابات العامة في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين، عندما بدأت كل من أستراليا وكندا في التصريح بتأييدها لها، وإنَّ في شعور هذين البلدين آنئذٍ بالحاجة إلى تبنِّي الهوية "متعددة الثقافات" وإلى إعلان تأييدهما للتعددية الثقافية أدلة مهمة على المغزى والدلالة العامَّين لهذين المصطلحين.
تلك هي الفترة التي كانت فيها أستراليا وكندا قد شرعتا في السماح بهجرة جديدة راحت حينها "تضفي الصبغة الآسيوية" على هاتين الأمتين، فحتى ذلك الحين، كانت أستراليا تطبِّق سياسة تقصِر الهجرة على البيض طبقًا لنص قانون تقييد الهجرة لعام 1901 واعتُبِر الآسيويون واليهود على حد السواء غير قابلين للاستيعاب. وفي عام 1971 كان ثمة اعتراف رسمي بالحاجة إلى المساعدة في تكوين مجتمع "متعدد الثقافات"، مما مَهَّد الطريق أمام إلغاء تام للشروط "العنصرية" عام 1973.
وقد حُثَّ المهاجرون على "الاندماج" بدلًا من مطالبتهم بالخضوع للاستيعاب، أي إنهم أصبح في مقدورهم الاحتفاظ ببعض مكونات "ثقافتهم الوطنية"، واعتُبِرت جمعيات الجاليات العرقية وسيطًا مهمًّا للاندماج.
وقد سلطتُ الضوء على عنصر الاندماج في إطار التعددية الثقافية، وسأفعل ذلك فيما بعد، تأكيدًا على أن التعددية الثقافية لم تتعلق قط بالتشجيع على الفصل والعزل، وإنما تضمَّنت تشكيل كيانات يشارك فيها المهاجرون والأقليات العرقية مشاركةً منصفة مع الإقرار بمعقولية رغبتهم في الاحتفاظ بجوانب من ثقافاتهم، وبأن التنوع الثقافي أمر مستحسن في حد ذاته ويعود بالنفع على الأمة من نواحٍ عدة. وللتعددية الثقافية — فضلًا عن ذلك، كما سنرى — جانب يدعو إلى تكافؤ الفرص ومناهضة التمييز، الذي غالبًا ما تغفله النقاشات المتعلقة بمعنى التعددية الثقافية وفاعليتها.
في كندا، بدأ النقاش بالعلاقات المضطربة بين الإقليمين الناطقين بالإنجليزية والفرنسية في ستينيات القرن العشرين، فأوصت لجنة مَلَكية معنية بثنائية اللغة وثنائية الثقافة بضرورة اعتبار الإنجليزية والفرنسية لغتين رسميتين، إلا أن قانون ثنائية الثقافة وثنائية اللغة لعام 1969 أثار أيضًا مسألة الأقليات الأخرى في كندا، واعتُمِدت التوصية الأخرى للجنة الملكية الداعية إلى ضرورة توسيع نطاق التعددية الثقافية في الهوية الكندية كسياسة رسمية، وكان هذا مقبولًا في البداية في إطار ثنائي اللغة يشمل اللغتين الإنجليزية والفرنسية، لكن بحلول عام 1988 صدر قانون للتعددية الثقافية وسَّع نطاق شروط التضمين.
وبالمِثل، فإنَّ وصول السكان المهاجرين من الهند وباكستان وبنجلاديش وجزر البحر الكاريبي إلى بريطانيا، إضافةً إلى الأعداد المتزايدة من العمال المهاجرين من شمال أفريقيا إلى فرنسا وبقاع أخرى من أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، وَضَع مسائل "التعددية الثقافية" على جدول الأعمال العام لتلك البقاع؛ إذ بدأت جاليات المهاجرين تشكِّل وجودًا دائمًا أو شبه دائم، وفي حين رفضت فرنسا بصفة خاصة أي سياسة تمنح المهاجرين الجُدُد اعترافًا رسميًّا، وضع بيان ألقاه روي جنكينز — وزير الداخلية البريطاني آنئذٍ — عام 1966 إطارًا عامًّا لتضمين جاليات المهاجرين الجدد، بل دمجها في الثقافة والتكوين السياسي القومي لبريطانيا:
ربما تكون لفظة الاندماج فضفاضة إلى حد بعيد؛ فأنا لا أراها تعني فقدان المهاجرين لخصائصهم وثقافتهم القومية، ولا أظننا في هذا البلد بحاجة إلى "بوتقة" تُشَكِّل كل فرد في قالب مشترك، كنسخة ضمن سلسلة من نسخ كربونية من تَصَوُّر خاطئ عن الرجل الإنجليزي النمطي. لذا فأنا أُعرِّف الاندماج ليس على أنه عملية تسطيحية تهدف إلى التجانس، بل إلى التنوع الثقافي، الذي يصحبه تكافؤ الفرص في ظل مناخ من التسامح المتبادل. وإن كان لنا أن نحتفظ بأي نوع من المكانة العالمية المرموقة فيما يتعلَّق بالمعيشة المتحضرة والترابط الاجتماعي، فعلينا أن نقترب من تحقيق الاندماج بقدر يفوق كثيًرا ما عليه الحال في الوقت الحالي.
ولك أن تلاحظ التأكيد على كلٍّ من التنوع الثقافي وتكافؤ الفرص.