بقلم: علي الحداد
في ظل ما يعيشه اليمن من أوضاع مأساوية متفاقمة جرّاء الحرب المستمرة، والانقسامات السياسية والمناطقية، والتدهور الاقتصادي والمعيشي، تبرز الحاجة الماسّة إلى مشروع وطني جامع يعيد توحيد البلاد على أسس جديدة قائمة على العدالة والمشاركة واحترام التنوع. من هذا الواقع المنهك، تنطلق رؤية السيد هاني علي سالم البيض كمبادرة مفتوحة نحو حل شامل وعادل، تهدف إلى إقامة دولة مدنية ديمقراطية موحدة أو متوافق عليها اتحاديًا، آمنة، مستقرة سياسيًا، مزدهرة اقتصاديًا، تقوم على الشراكة الوطنية، وتحترم التعددية وتتخلص من التبعية للصراعات والمحاور الإقليمية.
مسارات الرؤية: سياسة عادلة ودولة شراكة
تركز الرؤية أولًا على المسار السياسي، وتقترح إطلاق حوار وطني شامل جديد لا يُقصي أحدًا، يستند إلى مخرجات الحوار الوطني السابق بعد مراجعتها بما يتلاءم مع الواقع المستجد بفعل سنوات الحرب. ويُدار هذا الحوار برعاية أممية محايدة، وينبثق عنه مجلس رئاسي مدني توافقي يقود مرحلة انتقالية جديدة، يشمل كافة المكونات السياسية والاجتماعية الفاعلة، بما في ذلك النساء، الشباب، والقيادات القبلية.
وفي سياق إعادة بناء الدولة، يتم إعداد أو تعديل دستور جديد يضمن الحريات وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، ويؤسس لنظام ديمقراطي حقيقي يتسم بالتداول السلمي للسلطة والتوزيع العادل للثروة، بعيدًا عن المركزية المفرطة.
الدولة الاتحادية أو اللامركزية: واقعية سياسية
تطرح الرؤية النظام الاتحادي أو اللامركزي كصيغة ممكنة لإدارة اليمن ما بعد الحرب، تضمن احترام إرادة المجتمعات المحلية ضمن دولة واحدة أو أي صيغة يتم التوافق عليها. ويُترك ملف الجنوب لبند خاص في نهاية المرحلة الانتقالية، بحيث يُعالج بروح واقعية وتدريجية تُراعي خصوصيته وتطلعات أبنائه.
كما تقترح الرؤية إصدار قانون انتخابات عصري يمهّد الطريق لانتخابات حرّة ونزيهة، تُجرى بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، ويضمن تمثيلًا حقيقيًا وشاملًا لكافة المكونات.
الأمن والجيش: مهنية بدل الميليشيا
في الجانب الأمني والعسكري، تدعو الرؤية إلى وقف شامل لإطلاق النار بإشراف دولي صارم، ثم بدء عملية دمج تدريجي للتشكيلات المسلحة ضمن مؤسسات أمنية وعسكرية وطنية مهنية ومحايدة. يتم هذا الدمج بالتزامن مع نزع سلاح الميليشيات مقابل ضمانات سياسية، وتوزيع عادل للسلطة. كما تشمل الخطة إعادة هيكلة قطاع الأمن بما يضمن الاستقرار، ويمنع العودة إلى الانقسام المسلح، مع مكافحة الإرهاب والتهريب وحماية المصالح الوطنية.
التعافي الاقتصادي: خطة مارشال يمنية
يُعد الاقتصاد أحد أهم محاور الرؤية، حيث تُقترح خطة تعافٍ لعشر سنوات بإشراف مؤسسة مستقلة تُسمى “المجلس الاقتصادي الوطني”، ممولة بدعم دولي وإقليمي، وتنفيذ محلي بالشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني.
تشمل الخطة إعادة توحيد المؤسسات الاقتصادية كالبنك المركزي والهيئات الضريبية والجمركية، وإدارة الموارد بشفافية تامة، مع توزيع عادل للثروات الطبيعية (النفط، الغاز، المعادن، الثروات البحرية) بما يُراعي التوزيع السكاني والجغرافي. كما تدعو إلى تأسيس صندوق وطني لإعادة الإعمار يُموّل من رأس المال المحلي والدعم الخارجي.
العدالة والمصالحة: نحو لُحمة وطنية جديدة
تُولي الرؤية أهمية كبرى للمصالحة المجتمعية والعدالة الانتقالية، وتقترح إنشاء لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في الانتهاكات، وكشف الحقائق، ومعالجة المظالم بروح تصالحية لا انتقامية. ويُرافق ذلك برنامج وطني لتعويض المتضررين وجبر الضرر، كخطوة ضرورية لبناء الثقة بين المكونات المختلفة، وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة.
اليمن والسيادة: حياد إيجابي لا تبعية
تنطلق الرؤية من إيمان بضرورة إعادة اليمن إلى وضعه الطبيعي كبلد مستقل وذي سيادة، من خلال تحييده عن الصراعات الإقليمية، وتبني سياسة خارجية محايدة مبنية على احترام المصالح المتبادلة مع دول الجوار والعالم. كما تُطالب الرؤية بإنهاء أي وجود عسكري أجنبي غير مشروع، وفتح صفحة جديدة من التعاون الإقليمي والدولي في الإعمار وبناء السلام.
الجنوب والوحدة: حوار لا إملاء
تعالج الرؤية قضية الجنوب من زاوية احترام الإرادة الحرة، وتُقر بأن أي حل دائم يجب أن يمر عبر حوار وطني شفاف برعاية أممية، دون فرض أو إقصاء. وفي حال تعذر التوافق خلال المرحلة الانتقالية، تُؤكد الرؤية على حق تقرير المصير عبر استفتاء حر ونزيه، كخيار أخير يحفظ الكرامة ويجنّب العنف، مع التأكيد على احترام تطلعات جميع اليمنيين شمالًا وجنوبًا.
ضمانات التنفيذ: شراكة وطنية ودولية
لضمان التنفيذ، تقترح الرؤية آلية رقابة وإشراف مشترك بين الأمم المتحدة، مجلس التعاون الخليجي، والجامعة العربية، إلى جانب ضمانات دولية. كما تشدد على دور المجتمع المدني، النساء، والشباب في كل مراحل الرقابة والتطبيق، وتدعو إلى توقيع ميثاق وطني ملزم تُوافق عليه جميع القوى، ويكون أساسًا قانونيًا وسياسيًا لبناء الدولة الجديدة.
خاتمة: دعوة وطنية صادقة
لا تدّعي هذه الرؤية امتلاك الحقيقة الكاملة، لكنها تمثل مشروعًا وطنيًا عقلانيًا، يطرح حلولًا واقعية لتجاوز الحرب والانقسام، ويبني مستقبلًا قائمًا على الشراكة لا الإقصاء، والتوافق لا الغلبة.
السيد هاني علي سالم البيض، نجل الرئيس الجنوبي الأسبق، شخصية سياسية متزنة، يُعرف بمواقفه الداعمة للحل السلمي، وبخطابه الهادئ الذي يوازن بين الواقعية السياسية والموقف الوطني. رؤيته هذه لا تُقدم كحسم نهائي، بل كمبادرة صادقة مفتوحة للحوار، تسعى لإنقاذ الوطن، واستعادة سيادته، وبناء مستقبل جديد يشارك فيه الجميع على قدم المساواة .