2025/05/13
بين شرعية حماس وأزمة الثقة: إسرائيل على حافة القلق من مفاوضات ترامب

 

بين شرعية حماس وأزمة الثقة: إسرائيل على حافة القلق من مفاوضات ترامب 

بقلم: علي الحداد

في توقيت بالغ الحساسية، وبينما لا تزال نيران الحرب في غزة مشتعلة، تتكشف ملامح تحوّل استراتيجي في مقاربة الولايات المتحدة للنزاع الفلسطيني–الإسرائيلي، يتجسد في المحادثات المباشرة التي تُجريها إدارة الرئيس دونالد ترامب مع حركة حماس، خارج قنوات الوساطة التقليدية. هذا الانفتاح المفاجئ أثار موجة من القلق السياسي داخل إسرائيل، لم تُخفها تصريحات قادتها، بل زادها توترًا ما تسرب من تقارير إعلامية ودبلوماسية تؤكد عمق الشرخ بين حليفي الأمس: تل أبيب وواشنطن.

يتلخص القلق الإسرائيلي في نقطة محورية: أن إدارة ترامب ــ بخلاف سابقاتها، بل وحتى إدارة بايدن ــ قررت التعامل مع حماس كطرف شرعي في معادلة الحرب والسلام. وهذه الخطوة، بحسب القراءة الإسرائيلية، تمثل انتصارًا سياسيًا غير معلن للحركة، وتمنحها ما لم تحققه عبر ساحات القتال: الاعتراف الدولي.

وقد جاءت هذه المحادثات عقب سلسلة من الضغوط التي مورست على حكومة نتنياهو، دفعتها في يناير 2025 إلى القبول بوقف إطلاق النار مقابل وعود أمريكية بإطلاق مسار تفاوضي جديد. إلا أن التطورات الأخيرة كشفت أن إدارة ترامب تجاوزت حدود التفاهمات الأولية، وبدأت مفاوضات مباشرة مع قيادة حماس، تركز على هدنة طويلة الأمد، وتبادل الأسرى، وترتيبات ما بعد الحرب، دون إشراك إسرائيل في التفاصيل الجوهرية.

وتُجرى هذه المفاوضات حاليًا في العاصمة القطرية الدوحة، التي استضافت اللقاءات برعاية قطرية ومصرية، مستفيدة من احتضانها للمكتب السياسي لحركة حماس منذ عام 2012. ويؤكد مراقبون أن اختيار الدوحة يعكس تنسيقًا إقليميًا مدروسًا، ويمنح اللقاءات غطاءً سياسيًا يسمح باستمرارها بعيدًا عن ضغوط العواصم الكبرى.

الخطير من وجهة النظر الإسرائيلية أن هذه المفاوضات تجري بعيدًا عن شروط تل أبيب الأساسية، وعلى رأسها نزع سلاح حماس. فالرؤية الأمريكية تتجه نحو “تهدئة شاملة” و”إعادة إعمار مستدامة”، مع تسريبات عن دعم واشنطن لخطة عربية تعيد السلطة الفلسطينية إلى غزة. هذه التصورات، التي تغفل مطلب إسرائيل المركزي، تعيد إنتاج الصراع بأدوات جديدة، وقد تُفضي إلى منح غزة شرعية دولية متزايدة في ظل استمرار سيطرة حماس.

في السياق ذاته، تشير تقارير إعلامية إلى أن العلاقة الشخصية بين ترامب ونتنياهو تمر بمنعطف حرج، إذ يُنسب إلى ترامب قوله إن نتنياهو “ورطه في خيارات خاسرة” خلال الشهور الأولى للحرب، ما أدى إلى توقف التواصل المباشر بينهما. وقد فتح هذا الفتور الباب أمام تيار داخل الإدارة الأمريكية يدعو إلى تجاوز نتنياهو، والتفاوض مع قوى الأمر الواقع، بمن فيهم حماس، بحثًا عن تسوية ممكنة.

وبينما تواصل تل أبيب تمسكها بسياسة الردع وإنهاك حماس عسكريًا وسياسيًا، تبدو واشنطن، بتركيبتها الحالية التي تجمع بين جناحي ترامب وبايدن، أكثر حرصًا على إيجاد مخرج سريع للصراع، حتى لو تطلب الأمر إعادة تشكيل التحالفات القديمة، أو تقليص الدور الإسرائيلي في صياغة خريطة ما بعد الحرب.

الخشية الإسرائيلية تتمثل في أن تتحول حماس إلى شريك معترف به، ليس فقط في اتفاقات التهدئة، بل وربما في صيغة حكم مستقبلية لغزة. وهذا يمثل تهديدًا مزدوجًا: من ناحية سياسية لجهة منح الحركة شرعية كانت محرومة منها، ومن ناحية أمنية لبقاء جناحها العسكري فاعلًا.

تُفاقم الأزمة تصريحات ترامب المتضاربة؛ ففي حين يؤكد “دعمه المطلق لإسرائيل”، لا يتردد في الحديث عن “ضرورة تخفيف العبء عن غزة” و”تفهم المطالب الفلسطينية”، بل لمح أحيانًا إلى “حل ديمغرافي محتمل”، في إشارة ضمنية إلى فكرة التهجير، ما أثار عاصفة من الانتقادات داخل إسرائيل وخارجها.

ورغم هذا المشهد المربك، يرى بعض المحللين الإسرائيليين أن ترامب لا يزال يُشكّل “فرصة تاريخية”، خاصة بعد رفعه القيود على إمدادات الأسلحة، وتلويحه باستخدام الفيتو في مجلس الأمن دعماً لإسرائيل. لكن هذه الامتيازات لا تمنع تزايد القلق من أن يتحول هذا الدعم إلى عبء دبلوماسي، إذا ما قررت واشنطن السير في مسار لا يُراعي أولويات تل أبيب بالكامل.

في المقابل، تواصل حماس تعزيز موقفها التفاوضي بصمودها الميداني، لا سيما في معارك بيت حانون ورفح، التي أظهرت قدرتها على امتصاص الضربات، والحفاظ على هياكلها القتالية والإدارية. كما استفادت من التغطية الإعلامية العالمية للكارثة الإنسانية في غزة، لترسّخ موقعها السياسي وتُكسب مشروعها قدرًا من المشروعية لدى قطاعات من الرأي العام الدولي.

إزاء هذه المعطيات، تجد إسرائيل نفسها أمام مفترق استراتيجي: إما الاستمرار في الرهان على القوة، مع ما يحمله ذلك من مخاطر استنزاف سياسي وأمني، أو الانخراط في إعادة تشكيل التسوية، حتى لا تجد نفسها خارج الحسابات .

تم طباعة هذه الخبر من موقع هنا عدن https://www.huna-aden.com - رابط الخبر: https://www.huna-aden.com/news85345.html