الرئيسية - أخبار محلية - اليمن بين فشل الداخل واستغلال الخارج

اليمن بين فشل الداخل واستغلال الخارج

الساعة 12:16 صباحاً (هنا عدن/ خاص )

اليمن بين فشل الداخل واستغلال الخارج

بقلم: علي الحداد 



ما يحدث في اليمن ليس مجرد حرب دامت سنوات، بل مشروع ممتد يسعى لإعادة صياغة الدولة اليمنية خارج سياقها التاريخي وهويتها الوطنية. لكنّ الخطأ الأكبر يكمن في اختزال أسباب الانهيار بالفاعل الخارجي وحده، بينما يُغفل الفاعل الداخلي، الذي بمختلف أطيافه أسهم في تعميق الجراح، وفتح الأبواب للتدخلات والوصايات.

لم يكن الخارج ليجد له موطئ قدم بهذا العمق، لولا هشاشة البنية الداخلية وفشل النخب السياسية في تقديم مشروع وطني جامع. لقد أضاع اليمنيون زمام المبادرة، وتركوا مستقبلهم يُكتب في عواصم  عُظمى لا ترى في اليمن إلا ساحة نفوذ أو بوابة جغرافية لمصالحها.

منذ أن أُطيح بالعاصمة صنعاء، لم تنجح الحكومات المعترف بها دوليًا في إعادة تقديم نفسها كإطار جامع لليمنيين. افتقرت إلى الإرادة، وتغوّلت عليها مراكز النفوذ الخارجية، حتى باتت أقرب إلى كيان إداري في المنفى منه إلى قيادة فعلية. تعطلت مؤسساتها، وتدهور الاقتصاد في ظل غيابها، فتحولت “الشرعية” إلى شعار بلا مضمون، وفقدت الكثير من مشروعيتها في نظر الشارع.

في المقابل، تحوّل أنصار الله من جماعة رافضة لما وصفوه بالتهميش، إلى سلطة قمعية تُحكم السيطرة على مؤسسات الدولة وتُعيد إنتاج النموذج السلطوي باسم “الثورة”. خطابهم المقاوم للإمبريالية يتناقض مع ممارساتهم الداخلية التي تدمر المجال السياسي، وتضرب حرية التعبير، وتُحكم قبضة أمنية خانقة، ما يجعل من سلطتهم استمرارًا لحلقة التسلط في اليمن لا خروجًا منها.

يطرح المجلس الانتقالي الجنوبي قضية الجنوب من منطلق الهوية والتاريخ، وهي مطالب مشروعة في جزء كبير منها، لكنها حتى اليوم لا تتبلور ضمن مشروع دولة قانون مدنية بقدر ما تعيد إنتاج كيانات مناطقية تتماهى مع الاستقطاب الإقليمي. فشل المجلس في تقديم نموذج حكم يحتذى به في المناطق التي يسيطر عليها، وساهم بشكل أو بآخر في تغذية الانقسام بدلًا من ردم الفجوة الوطنية.

أما الأحزاب السياسية التقليدية، فلم تكن سوى انعكاس للفشل البنيوي العميق. غلبت المصالح الضيقة على المصلحة الوطنية، وارتهنت قراراتها للممول أكثر من جمهورها. لم تُقدّم برامج واقعية، ولا خططًا وطنية شاملة. وانقسمت تبعًا لخريطة التحالفات الخارجية، ففقدت قدرتها على تمثيل الشارع أو حتى التأثير فيه.

عندما تفقد النخب المحلية قدرتها على المبادرة، يتحول البلد إلى مسرح للصراع الخارجي. وهذا ما حدث في اليمن. فالتدخلات ليست فقط عسكرية، بل اقتصادية وثقافية وتعليمية وحتى إعلامية. يتم تفكيك الدولة بطريقة ناعمة، تُجفف فيها الموارد، وتُغذى الانقسامات، وتُهندس تسويات سياسية تُصاغ في الخارج وتُفرض تحت عنوان “السلام”.

لكن أي سلام يُبنى على هشيم دولة، وتفكك مجتمع، وسيطرة ميليشيات؟ وأي إعادة إعمار تُدار من خارج الجغرافيا اليمنية دون إشراك فعلي لليمنيين؟

رغم كل هذا الركام، لا يزال الوعي الشعبي في تصاعد. فقد كشف اليمنيون من مختلف المناطق والانتماءات حقيقة ما يُدار باسمهم، وبدأوا يتساءلون: من يملك الحق في رسم مستقبل اليمن؟ الجواب واضح: لا أحد، سوى اليمنيين أنفسهم.

إعادة بناء اليمن لن تكون بقرار من مجلس أو مبادرة من دولة مانحة، بل بإرادة وطنية تنطلق من الداخل، تستند إلى مشروع جامع، لا يقصي أحدًا، ولا يُبنى على ثأر أو غلبة.

اليمن لا يحتاج إلى من يكتب له تاريخه، بل من يعيد قراءته بعين صادقة، ليبني فوقه مستقبلًا يليق بتضحيات شعبه. الفوضى ليست قدرًا، والتبعية ليست مآلًا، والانقسام ليس طبيعة. اليمن، رغم كل ما حدث، لا يزال قابلًا للحياة، شرط أن يملك قراره، ويستعيد ثقته، ويُقصي من أفسدوه، أيًا كانت هويتهم أو شعاراتهم .